239

نعم إنما يحملنا على الافتتان بهذه العاجلة والصفح عن تلك الحياة الآجلة مع فناء هذه وبقاء تلك ، امور لا يجهلها البصير وإن لم تكن عذرا عند مناقشة الحساب ، ألا وهي حب العاجل ، وضعف النفس ، ونضارة هذه المناظر والزينة اللتان نصبتهما الدنيا فخاخا وحبائل ، ولو شاء الانسان وإن كان أضعف الناس بصرا وبصيرة أن ينجو من هذه الشباك لكان في مقدوره ، فكيف بأقوى الناس عقلا وأثبتهم يقينا ، وأدراهم بالحقائق ، حتى كأن الأشياء لديه مكشوفة الغطاء بل لو كشف لهم الغطاء لما ازدادوا يقينا.

فإعراض محمد وآل محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام عن هذه الحياة الدانية ورغائده إلا بقدر البلغة لتلك الحياة الباقية ، إنما هو لأنهم يرونها أخس من حثالة القرظ وأنجس من قراضة الجلم (1) فما كانوا عليه شيء غير الزهد ، بل هو أعلى من الزهد ، غير أن ضيق المجال في البيان يلجئونا الى تسميته بالزهد ، تنظيرا له بما نعرفه من نفائس هذا الوجود ومن الإعراض عنها.

فلا نستكبر بعد أن نعرف هذا عن محمد وعترته ما يرويه أهل الحديث والسيرة والتأريخ عن صادقهم أنه كان يلبس الجبة الغليظة القصيرة من الصوف على جسده والحلة من الخز على ثيابه ، ويقول : نلبس الجبة لله والخز لكم (2).

أو يرى وعليه قميص غليظ خشن تحت ثيابه ، وفوقه جبة صوف ، وفوقها قميص غليظ.

أو يطعم ضيفه اللحم ينتفه بيده ، وهو يأكل الخل والزيت ويقول : إن هذا

Bogga 242