للشفة ، وتركد الريح حتى تحم الأشياء وتفسد ، ويفيض ماء البحر على الأرض فيغرقها.
ثم هذه الآفات التي ذكرناها من الوباء والجراد وما أشبه ذلك ما بالها لا تدوم وتمتد حتى تجتاح كل ما في العالم بل تحدث في الأحايين ثم لا تلبث أن ترفع؟ أفلا ترى أن العالم يصان ويحفظ من تلك الأحداث الجليلة ، التي لو حدث عليه شيء منها كان فيه بواره ، ويلدغ أحيانا بهذه الآفات اليسيرة لتأديب الناس وتقويمهم ، ثم لا تدوم هذه الآفات بل تكشف عنهم عند القنوط منهم ، فيكون وقوعها بهم موعظة ، وكشفها عنهم رحمة؟ وقد أنكرت المعطلة ما انكرت المانوية من المكاره والمصائب التي تصيب الناس فكلاهما يقول إن كان للعالم خالق رءوف رحيم فلم يحدث فيه هذه الامور المكروهة؟ والقائل بهذا القول يذهب به الى أنه ينبغي أن يكون عيش الانسان في هذه الدنيا صافيا من كل كدر ، ولو كان هكذا كان الانسان يخرج من الأشر والعتو الى ما لا يصلح في دين ودنيا ، كالذي ترى كثيرا من المترفين ومن نشأ في الجدة والأمن يخرجون إليه ، حتى أن أحدهم ينسى أنه بشر أو أنه مربوب أو أن ضررا يمسه أو أن مكروها ينزل به أو أنه يجب عليه أن يرحم ضعيفا أو يواسي فقيرا أو يرثي لمبتلى أو يتحنن على ضعيف أو يتعطف على مكروب ، فاذا عضته المكاره ووجد مضضها اتعظ وأبصر كثيرا مما كان جهله وغفل عنه ، ورجع الى كثير مما كان يجب عليه ، والمنكرون لهذه الأدوية المؤذية بمنزلة الصبيان الذين يذمون الأدوية المرة البشعة ، ويتسخطون من المنع من الأطعمة الضارة ويتكرهون الأدب والعمل ، ويحبون أن يتفرغوا للهو والبطالة وينالوا كل مطعم ومشرب ، ولا يعرفون ما تؤديهم إليه البطالة من سوء النشو والعادة ، وما تعقبهم الأطعمة اللذيذة الضارة من الأدواء والأسقام ، وما لهم في الأدب من الصلاح ،
Bogga 162