151

الطبيعة ، فيقول له الامام : سلهم عن هذه الطبيعة أهي شيء له علم وقدرة على مثل هذه الأفعال ، أم ليست كذلك؟ فإن أوجبوا لها العلم والقدرة فما يمنعهم من إثبات الخالق ، فإن هذه صفته ، وإن زعموا أنها تفعل هذه الأفعال بغير علم ولا عمد وكان في أفعالها ما قد تراه من الصواب والحكمة علم أن هذا الفعل للخالق الحكيم وأن الذي سموه طبيعة هو سنة في خلقه الجارية على ما أجراه عليه.

أقول : انظر إلى قول أهل الطبيعة فإنهم جروا على نسق واحد من عهد الصادق عليه السلام إلى اليوم ، وكأنهم لم يتعقلوا هذا الجواب القاطع لحججهم أو أغضوا عنه إصرارا على العناد والجحود.

إن الامام حصر الطبيعة بين اثنين لا ثالث لهما ، وذلك لأنها إما أن تكون ذات علم وحكمة وقدرة ، أو تكون خالية عن ذلك كله ، فإن كان الأول فهي ما نثبته للخالق ، ولا فارق إذن بينهم وبيننا إلا التسمية ، وإن كان الثاني كان اللازم أن تكون آثارها مضطربة لا تقدير فيها ولا تدبير شأن من لا يعقل ويبصر ويسمع في أفعاله ، ولكننا نشاهد الآثار مبنية على العلم والحكمة والقدرة والتقدير ، فلا تكون إذن من فعل الطبيعة العمياء الصماء وكانت الطبيعة غير الله العالم القادر المدبر ولا تكون الطبيعة إذن إلا سنته في خلقه ، لا شيء آخر له كيان مستقل عن خالق الكون.

ثم أن الامام عليه السلام عاد الى كلامه الأول فتكلم عن وصول الغذاء الى البدن وكيفية انتقال صفوه من المعدة الى الكبد في عروق رقاق واشجة بينها قد جعلت كالمصفى للغذاء ، ثم صيرورته دما ونفوذه الى البدن كله في مجار مهيأة لذلك ، ثم كيفية تقسيمه في البدن وبروز الفضلة منه ، فكأنما الامام كان الطبيب النطاسي الذي لم يماثله أحد في الطب ، والعالم الماهر في التشريح الذي

Bogga 154