بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله وحده
الحمد لله الذي أنزل من السماء طهورا وخلق كل شيء فقدره تقديرا وصلوات الله وسلامه على نبيه المرسل إلى الكافة بشيرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، وبعد:
فهذا كتاب جليل ومختصر نفيس قضى الله عز وجل لي بتأليفه فيما يتعلق بالحمام وآداب دخوله وما يناسب ذلك لأن الحاجة ماسة إليه، إذ هو من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وقد ترتب في هذا الزمان في دخوله مفاسد كثيرة فتعين التنبيه على الحق في رد المحدثات والبدع والمنكرات. والله الموفق للصواب.
Bogga 27
وأنا أذكر إن شاء الله عز وجل ذلك في عشرة فصول:
الفصل الأول: في ذكر بدو بناء الحمام.
الفصل الثاني: فيما ورد من إباحته للرجال دون النساء.
الفصل الثالث: فيما ورد من إباحته للنساء بشروط.
الفصل الرابع: في الأمر بالتستر في الحمام وغيره.
الفصل الخامس: في الاغتسال الواجبة والمستحبة وغيرها.
الفصل السادس: في صفة الغسل وما يتعلق به.
الفصل السابع: في الغسل بالسدر ونحوه وما يناسب ذلك.
الفصل الثامن: في الصلاة في الحمام وما يتعلق بذلك.
الفصل التاسع: في الأمر بتحسين الحلق في الحمام وغيره.
الفصل العاشر: في التنشيف وإعطاء الحمامي حقه.
(الفصل الأول): في ذكر بدء بناء الحمام:
1- (1) أخبرنا الإمام الحافظ أبو الحجاج يوسف بن الزكي عبد الرحمن المزي سماعا عليه في سنة أربعين وسبعمائة، أخبرنا أبو الحسن علي بن البخاري، وأبو العباس أحمد بن أبي الخير الحداد، عن أبي جعفر الصيدلاني، أخبرنا أبو علي الحداد حضورا، أخبرنا أبو نعيم الأصبهاني، أخبرنا أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني، حدثنا أحمد بن خليد الحلبي، حدثنا إبراهيم بن مهدي المصيصي، حدثنا عمر بن عبد الرحمن أبو حفص الأبار، حدثنا إسماعيل بن [عبد الرحمن] الكندي، عن أبي برزة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال:
Bogga 28
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليهما السلام ، فلما دخله فوجد حره قال: أوه من عذاب الله أوه أوه قبل أن لا ينفع أوه)).
Bogga 30
2- ورويناه في كتاب ((عمل اليوم والليلة)) لابن السني من حديث صالح ابن الإمام أحمد، عن إبراهيم بن مهدي، حدثنا أبو حفص الأبار، عن إسماعيل الأودي، عن أبي بردة، عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((أول من صنعت له الحمامات والنورة سليمان بن داود صلى الله عليهما، فلما دخله [وجد حره] وحبر غمه قال: أوه من عذاب الله أوه ثم أوه قبل أن لا يكون أوه)) وكان سبب ذلك على ما ذكره أهل التفسير وأصحاب التواريخ قدوم بلقيس عليه قال الله عز وجل في آخر القصة من سورة النحل {قيل لها ادخلي الصرح} الآية. وذلك أن سليمان عليه السلام أراد أن ينظر إلى قدميها وساقيها من غير أن يسألها كشفها لما قالت الشياطين: إن رجليها كحافر الحمار وأنها شعراء الساقين فأمر الشياطين فبنوا له صرحا أي قصرا من زجاج، وقيل بيتا من زجاج كأنه الماء بياضا، وأجرى تحته الماء وألقى فيه كل شيء من دواب البحر: السمك والضفادع وغيرهما، ثم وضع سريره في صدره وجلس، وعكفت عليه الجن والإنس والطير ثم دعا بلقيس، فلما قيل لها ادخلي الصرح، فلما رأته حسبته لجة -وهي معظم الماء- وكشفت عن ساقيها لتخوضه إلى سليمان، فنظر سليمان فإذا هي أحسن الناس ساقا وقدما إلا أنها كانت شعراء الساقين، فلما رأى سليمان ذلك حيرت بصره عنها وناداها {إنه صرح ممرد من قوارير، قالت: رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين} فلما أسلمت أراد أن يتزوجها وكره ما رأى من كثرة شعر ساقيها فسأل الإنس ما يذهب هذا؟ قالوا: المواسي فقالت المرأة: لم تمسني حديدة قط، فكره سيلمان المواسي، وقال: إنها تقطع ساقها قال للجن فقالوا: لا ندري ثم قال للشياطين فقالوا: إنا نحتال لك حتى تكون كالفضة البيضاء، فاتخذوا الحمام والنورة، فكان النورة والحمام من يومئذ.
ثم إن الأعاجم والروم لم يزالوا يعتادونه إلى هذا الزمان، وأما العرب فلم تكن تعرف في بلادهم إلا بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم زمن الصحابة. وروي أن بعضهم دخله، وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أم الدرداء فقال: ((من أين يا أم الدرداء؟ قالت: من الحمام)) الحديث وهو ضعيف.
Bogga 32
3- (2) أخبرناه محمد بن عبد الرحمن المزي، أخبرنا المسلم بن علان، أخبرنا حنبل المكبر، أخبرنا أبو القاسم ابن الحصين، أخبرنا أبو علي ابن المذهب، حدثنا أبو بكر القطيعي، حدثنا عبد الله بن الإمام أحمد، حدثنا أبي، حدثنا حسن، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا زبان يعني ابن فائد عن سهل يعني ابن معاذ عن أبيه، أنه سمع أم الدرداء رضي الله عنها تقول: ((خرجت من الحمام فلقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال من أين يا أم الدرداء؟ فقلت: من الحمام، فقال: والذي نفسي بيده ما من امرأة تضع ثيابها في بيت غير إحدى أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن عز وجل)) ففي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف، وابن فائدة هالك.
Bogga 34
وقد كره الإمام أحمد بناء الحمام وبيعه وشراءه وكراه، فقال عامة أصحابه: كراهة تنزيه، وخالفهم القاضي أبو يعلى فقال: بل كراهة تحريم كعمل الملاهي وبناء بيوت النار والبيع، قال ابن تيمية رحمه الله: ينبغي أن يحمل ذلك على البلاد الحارة التي لا يضطر أهلها إلى الحمامات، فأما بلاد الشام وما شاكلها من البلاد الباردة التي يحتاج أهلها إلى الحمامات لا سيما في الشتاء فلا يكره لهم اتخاذ الحمام، والله أعلم.
Bogga 35
قال النووي رحمه الله: والحمام مذكر لا يؤنث، نقله الأزهري في
((تهذيب اللغة)) عن العرب، ونقله غيره، وجمعه حمامات مشتق من الحميم وهو الماء الحار والله أعلم.
(الفصل الثاني): فيما ورد من إباحته للرجال دون النساء:
Bogga 36
4- (3) أخبرنا أبو الفضل عبد الرحيم بن إبراهيم التنوخي، أخبرنا جدي أبو محمد إسماعيل بن أبي الميسر، أخبرنا أبو علي الرصافي، أخبرنا ابن الحصين، أخبرنا ابن المذهب، أخبرنا القطيعي، حدثنا عبد الله بن أحمد، حدثنا أبي، حدثنا عفان، حدثنا حماد بن سلمة، عن عبد الله بن شداد،عن أبي عذرة وكان قد أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ، عن عائشة رضي الله عنها: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى الرجال والنساء عن دخول الحمامات ثم رخص للرجال أن يدخلوها في الميازر)) رواه أبو داود في كتاب الحمام من ((سننه)) عن موسى ورواه الترمذي في الاستئذان من ((جامعه)) عن ابن بشار، عن ابن مهدي، كلاهما عن حماد، وقال: لا نعرف حديث حماد، وإسناده ليس بذاك القويم.
Bogga 37
5- وبه قال الإمام أحمد، فحدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا سعيد، قال: حدثني أبو خيرة عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر من ذكور أمتي فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر من إناث أمتي فلا تدخل الحمام)).
Bogga 38
6- وبه قال حدثنا هارون يعني ابن معروف، حدثنا ابن وهب، حدثني عمرو بن الحارث، أن عمر بن السائب حدثه [أن] القاسم بن أبي القاسم السبئي حدثه عن قاص الأجناد بالقسطنطينية أنه سمعه يحدث أن عمر رضي الله عنه قال: ((يا أيها الناس، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بإزار، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام)) وهذا إسناد جيد، وقاص الأجناد قيل اسمه عبد الله بن زيد.
Bogga 39
7- ورواه الحافظ أبو بكر الإسماعيلي في مسند عمر فقال: حدثنا محمد ابن سهل الرازي ببغداد، حدثنا مضارب بن هذيل الكلبي عن أبيه، حدثنا بقية، حدثني هشام بن عبد الله، حدثني ابن الحسن بن أبي كثير، عن أبيه، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه، عن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر، ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا تدخل الحمام)) وهذا إسناد منكر.
8- وقد روى هذا الحديث عن عمر [من] قوله الإمام أحمد، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن قتادة، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى الأشعري رضي الله عنه: ((لا تدخل الحمام إلا بمئزر، ولا يغتسل اثنان على حوض)).
Bogga 40
9- (4) وأخبرنا الحافظ أبو الحجاج المزي، أخبرنا محمد بن القواس، أخبرنا أبو القاسم ابن الحرستاني، أخبرنا علي بن مسلم السلمي، أخبرنا أبو نصر بن طلاب، أخبرنا الحافظ أبو الحسين الصيداوي، حدثنا أبو علي بن نعيم، حدثنا بكر بن سهل، حدثنا عمرو بن [هاشم]، حدثنا موسى بن وردان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
Bogga 41
((أنشد الله رجال أمتي [لا] يدخلوا الحمام إلا بمئزر، وأنشد الله نساء أمتي لا يدخلن الحمام)) غريب من ذي الوجه.
Bogga 42
10- (5) أخبرنا أبو الفضل بن أبي اليسر، أخبرنا أبو الحسن البخاري، أخبرنا أبو حفص بن طبرزد، حدثنا إبراهيم بن محمد الكرخي وأبو الفتح الرومي قالا: أخبرنا الحافظ أبو بكر الخطيب، أخبرنا القاضي أبو عمر الهاشمي، أخبرنا أبو علي اللؤلؤي، حدثنا الحافظ أبو داود، حدثنا ابن المثنى، قال: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، عن منصور، عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي المليح قال: ((دخل نسوة من الشام على عائشة رضي الله عنها فقالت: من أين أنتن؟ قلن: من أهل الشام. قالت: لعلكن من الكورة التي تدخل نساؤه الحمامات؟ قلن: نعم، قالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ما من امرأة تخلع ثيابها في غير بيتها إلا هتكت ما بينها وبين الله.
Bogga 43
قال أبو داود: وهذا حديث جرير وهو أتم ولم يذكر جرير أبا المليح، قلت: ورواه الدارمي في مسنده، فقال: أخبرنا يعلى، أخبرنا الأعمش عن عمرو بن مرة، عن سالم بن أبي الجعد قال: ((دخل على عائشة رضي الله عنها نسوة من أهل حمص تستفتينها )) فذكر الحديث بدون ذكر أبي المليح، وهو غريب.
11- (6) أخبرنا أحمد بن علي الحصر، أخبرنا إبراهيم بن خليل، أخبرنا أبو الفضل الجنزوي، أخبرنا أبو الحسن الغساني، أخبرنا أحمد بن عبد الواحد بن أبي الحديد، أخبرنا جدي أبو بكر الحبر، أخبرنا الحافظ أبو بكر الخرائطي، حدثنا صالح بن أحمد بن حنبل، حدثنا أبي، حدثنا حفص بن غياص، عن الأعمش، عن سالم بن أبي الجعد، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت سترها فيما بينها وبين الله عز وجل)).
Bogga 44
وهذا إسناد صحيح ولم يذكر الأعمش عمرو بن مرة.
Bogga 45
12- وبه قال الخرائطي حدثنا نصر بن داود، حدثنا أبو نعيم، حدثنا حمزة الثمالي، حدثني سالم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((دخل عليها نسوة.. .. )) الحديث.
13- رواه أبو داود الطيالسي في مسنده عن شعبة، عن منصور، عن سالم عن أبي المليح نحو ما رواه أبو داود السجستاني.
ورواه ابن ماجه عن علي بن محمد الطنافسي، عن وكيع، عن سفيان الثوري، عن منصور متابعة، ورواه الترمذي عن محمود بن غيلان، عن أبي داود فحسنه، فمداره على سالم بن أبي الجعد، وهو ثقة.
Bogga 46
14- وقد رواه عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن عائشة رضي الله عنها، قال الخرائطي حدثنا نصر بن داود، حدثنا محمد بن حسان السمتي، حدثنا فضيل بن عياض، عن مطرح بن يزيد، عن عبيد الله بن زحر، عن علي بن يزيد، عن القاسم، عن أبي أمامة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ((لا يحل لامرأة أن تدخل الحمام إلا من سقم، فإن عائشة أم المؤمنين حدثتني على مفرشها: قالت: حدثني خليلي صلى الله عليه وسلم على مفرشي هذا قال: إذا وضعت المرأة خمارها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين الله من ستر، ولم يتناها دون العرش)).
Bogga 47
15- قال: وحدثنا القنطري علي بن داود حدثنا ابن أبي مريم، أخبرنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن زحر ، عن علي بن [يزيد] عن القاسم عن أبي أمامة قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا يحل لمؤمن أن يدخل الحمام إلا بمئزر، ولا يحل [لمؤمنة] أن تدخل الحمام إلا من سقم، [فإن] عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم حدثتني وهي على فراشها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على فراشي، أو موضع مفرش يقول: ((أيما مؤمنة وضعت خمارها في غير بيتها هتكت الحجاب فيما بينها وبين ربها تبارك وتعالى)).
16- رواه الإمام أحمد في ((مسنده)) من حديث أم سلمة رضي الله عنها فقال: حدثنا حسن الأشيب، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن السائب مولى أم سلمة: أن نسوة دخلن [على] أم سلمة رضي الله عنها من أهل حمص فسألتهن ممن أنتن؟ فقلن: من أهل حمص، فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما امرأة نزعت ثيابها في غير بيت زوجها خرق الله تعالى عنها سترا)).
Bogga 48
17- روى الإمام أحمد هذه القصة من حديث عائشة أيضا فقال: حدثنا عبيدة بن حميد، حدثنا يزيد بن [أبي] زياد، عن عطاء بن [أبي] رباح قال: أتين نسوة من أهل حمص عائشة رضي الله عنها فقالت لهن: لعلكن من النساء اللواتي يدخلن الحمامات؟ فقلن لها: إنا لنفعل فقالت: أما إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم [يقول]: ((أيما امرأة وضعت ثيابها في غير بيت زوجها هتكت ما بينها وبين الله تعالى)).
ورواه هشام بن عروة، عن أبيه ولفظه: إن نسوة جئن عائشة رضي الله عنها زمن الحجاج من أهل الشام وأهل العراق، فأذنت للعراقيات قبل الشاميات، وقالت للشاميات: ألستن تدخلن الحمامات؟ قلن: بلى، أرضنا باردة فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أيما امرأة تعرت في غير بيتها هتك الله ما بينها وبينه من ستر)).
Bogga 49