213

Iliyadha

الإلياذة

Noocyada

هكذا قال، فلم يعص أبولو أمر أبيه، بل انطلق هابطا من تلال أيدا، كأنه البازي قاتل اليمام، الذي هو بحق أسرع المجنحات. فوجد هكتور العظيم - ابن بريام الحكيم القلب - ساهرا، غير راقد. وكان قد استرد قوته منذ برهة، وبدأ يعرف زملاءه من حوله، وقد كف عن اللهث والعرق، إذ ردت إليه الحياة - بمشيئة زوس حامل الترس - فاقترب منه أبولو البعيد المرمى، وقال له: «أي هكتور، يا ابن بريام، لماذا أنت هنا بمنأى عن الآخرين؟ هل أصابك مكروه ما؟»

فأجابه هكتور - ذو الخوذة البراقة - بصوت واهن: «أي إله أنت، أيها النبيل الذي يسألني وجها لوجه؟ ألا تعلم أن أياس - الرائع في صيحة الحرب - قد ضربني بصخرة فوق صدري، عند مؤخر سفن الآخيين بينما كنت أوقع الدمار بزملائه، فجعلني أكف عن بطشي الجامح؟ أجل، لقد حسبت أنني - في يومي هذا - سأرى الموتى، ومنزل هاديس، إذ كدت ألفظ نفسي الأخير!»

عندئذ تحدث إليه ثانية الإله أبولو - البعيد الرماية - قائلا: «تشجع الآن، فإن الذي أرسله ابن كرونوس من أيدا ليقف إلى جانبك ويدافع عنك، مساعدا قوي البأس، هو أنا: أبولو، ذو السيف الذهبي، الذي اعتاد من قديم الزمان أن يحميك، أنت نفسك، ويحمي القلعة الشاهقة كذلك. هيا، مر سائقيك الكثيرين أن يقودوا جيادهم السريعة نحو السفن الجوفاء، وسأذهب أنا قبلهم وأمهد الطريق كله للعربات، ولسوف أجبر المحاربين الآخيين على الفرار!»

وإذ قال هذا، نفث قوة عظيمة في راعي الجيش.

عودة الطرواديين إلى الهجوم!

وكما يحدث عندما يحطم الجواد المعلوف - الذي نال كفايته من المذود - قيده، ويجري راكضا عبر السهل، تواقا إلى أن يغتسل في النهر الهادئ الجريان، وهو يرفع رأسه عاليا، وقد انساب عرفه متموجا حول كتفيه، ثم يثمله الزهو، فتحمله ركبه سريعا إلى مساكن الأفراس ومراعيها، هكذا أيضا، بمثل هذه السرعة، أعمل هكتور قدميه وركبتيه، وراح يحث سائقيه، بعد أن سمع صوت الرب! وكما يحدث عندما يطارد الكلاب والقرويون ظبية ذات قرون أو عنزة برية، فتنقذها منهم صخرة عمودية أو دغل ظليل، فلا يقدر لهم أن يعثروا عليها، بل يأتي - على صوت صراخهم - أسد ذو لبد، فيتبدى لهم في الطريق، ويضطرهم جميعا إلى المبادرة بالفرار عائدين، برغم حماسهم، هكذا كان أمر الدانيين، فقد قضوا فترة من الزمن يزحفون قدما متكتلين، ضاربين بالسيوف، أو طاعنين بالرماح، ذات الحدين. حتى إذا أبصروا هكتور يصول ويجول بين صفوف الرجال، ألم بهم الخوف، وهبطت أرواح الرجال جميعا في أقدامهم!

عندئذ قام في وسطهم «ثواس بن أندرايمون»، خير الأيتوليين. وكان بارعا في قذف الرمح، وماهرا في الالتحام والمبارزة. أما في الاجتماع، فلم يكن يملك التفوق عليه - إذا ما تقارع الشباب بالحجج - سوى قلة من الآخيين. وباعتداد قام في الحشد، وتكلم قائلا: «هيا استمعوا إلي الآن، إن ما تراه عيناي لمعجزة كبرى حقا، إذ كيف نهض هكتور هذا ثانية ونجا من المصير المقدر؟ الحق أن كل رجل منا كان يعتقد - في فؤاده - أنه قد مات بين يدي أياس بن تيلامون، ولكن العجيب أن أحد الآلهة قد خلص هكتور ثانية وأنقذه، هذا الذي أرخى ركب كثير من الدانيين، وهو ما سوف يحدث الآن أيضا، كما أعتقد. فما كان ليقف في الصفوف الأولى، تواقا هكذا للصراع، دون مشيئة من زوس المرعد عاليا. فتعالوا وأطيعوني جميعا، فيما آمركم به، لنأمر الجمع بالعودة إلى السفن، أما نحن أنفسنا - معشر الذين يعلنون أنهم خير من في الجيش طرا - فلنصمد في أماكننا، إذا كان لنا أولا أن نواجهه، ونرده على أعقابه إلى الخلف برماحنا المشهرة. فإني لأعتقد أنه - برغم كل ما هو عليه من حماس - سيشعر بالخوف من التوغل وسط حشد الدانيين!»

هكذا قال، فأصغى إليه الجميع عن طيب خاطر، وأطاعوا أمره. وعمد الذين كانوا مع أياس، والأمير أيدومينيوس، وتيوكر، وميريونيس، وميجيس - نظير أريس - إلى دعوة خير المحاربين، وواصلوا القتال ضد هكتور والطرواديين، بينما عاد الجمع من خلفهم إلى سفن الآخيين.

وما لبث الطرواديون أن تقدموا في حشد متراص، وهكتور على رأسهم، يتقدمهم بخطى واسعة، بينما سار أمامه «أبولو»، وقد حفت بكتفي الإله سحابة وحمل في يده الترس القوي الذي تحيط به أهداب عديدة، ذلك الترس المخيف الشديد اللمعان، الذي أعطاه «هيفايستوس» الحداد لزوس ليحمله، كي يبث الرعب بين المحاربين، فقد حمل أبولو ذلك الترس في يديه وهو يقود الجيش إلى الأمام.

وكان الأرجوسيون في حشد متكاتف ينتظرون مجيئهم. وارتفعت صيحة الحرب مدوية من كلا الجانبين، وانطلقت السهام من أوتار القسي، والرماح العديدة تقذف بها الأيدي المكينة، فغاب بعضها في أجسام الشباب الصريع في المعركة، بينما هوى كثير منها في منتصف الطريق، وانغرست في الأرض، دون أن تبلغ اللحم الأبيض الذي كانت تتوق إليه!

Bog aan la aqoon