206

Iliyadha

الإلياذة

Noocyada

فخاطب «إسكليبيوس» بكلمات مجنحة، قائلا: «تأمل يا ماخاوون العظيم، كيف تجري الأمور. حقا إن صيحة الشباب المتهور لتزداد ارتفاعا بجانب السفن. ومع ذلك فيمكنك الآن أن تبقى جالسا حيث أنت، وتعب الخمر اللهبية اللون، إلى أن تهيئ لك «هيكاميدي» - ذات الجدائل الجميلة - حماما دافئا، ثم اغسل الدم المتجلط عن جرحك. أما أنا، فسأذهب من فوري إلى مكان يطل على ميدان القتال، فأرى ماذا يحدث هناك.»

وإذ قال هذا، أخذ ترس ابنه «تراسوميديس» مستأنس الجياد - الذي كان راقدا في الكوخ - ذلك الترس المتين الصنع الذي يلمع كله بالبرونز، إذ كان الابن قد أخذ ترس أبيه، وأمسك «نسطور» في يده رمحا قويا، ذا سن من البرونز الحاد، واتخذ وقفته خارج الكوخ. وفي الحال أبصر عملا مشينا، إذ رأى الآخيين في فوضى، والطرواديين يطاردونهم بهمة ونشاط، وسور الآخيين منهارا. وكما يحدث حين يستحيل البحر العظيم إلى موجة صماء، وصمد متحفزا عابسا في انتظار انقضاض الرياح الصاخبة، ولكنه يمكث جامدا فلا تتحرك اللجج إلى الأمام، ولا إلى هذا الجانب أو ذاك، إلى أن تهبط من لدن «زوس» الريح التي يبتغيها، هكذا أيضا، شرع الرجل المسن يفكر، وعقله موزع حائر بين هذا الرأي وذاك: أيسرع إلى حشد الدانيين أصحاب الخيول السريعة، أم يذهب خلف «أجاممنون بن أتريوس» راعي الجيش؟ وبينما هو يفكر، اهتدى إلى الرأي الأفضل؛ أن يذهب وراء ابن أتريوس، ولكن الآخرين كانوا في الوقت نفسه يقاتلون دون هوادة، ويقتلون بعضهم بعضا، والبرونز الصلب يصلصل حول أجسامهم، وهم يدفعون بعضهم البعض الآخر بالسيوف والرماح ذات الحدين.

والتقى نسطور بالملوك الذين تبناهم «زوس»، والذين كانوا قد جرحوا بالبرونز، وهم يعودون من السفن. وكانوا: ابن توديوس، وأوديسيوس، وأجاممنون بن أتريوس، وكانت سفنهم قد سحبت فوق شاطئ البحر السنجابي، بعيدا عن ميدان القتال، ولكن السفن الأولى كانت قد سحبت إلى مسافة أبعد، في السهل، ثم أقيم السور عند مؤخراتها

2

لأنه لم يكن بوسع الشاطئ - بالرغم من اتساعه - أن يستقبل جميع السفن، وكان الجيش محصورا في منطقة ضيقة؛ ولهذا سحبوا سفنهم فوضعوها صفا وراء صف، وملئوا الشاطئ الرحب المحصور بين مرتفعين. وعلى ذلك سار الملوك جميعا في كتلة واحدة - وقد اتكأ كل منهم على رمحه - ليشاهدوا الحرب والمعركة، وهم محزونو الأفئدة. فالتقى بهم نسطور الشيخ، وثبط من عزيمة الآخيين، وجعل الروح تخور في صدورهم. وعندئذ رفع الملك «أجاممنون» صوته، وتحدث إليه بقوله: «أي نسطور، يا ابن نيليوس، يا مجد الآخيين العظيم، لماذا تركت الحرب، آفة البشر، وقدمت إلى هنا؟ أخشى أن ينفذ هكتور العنيد كلامه ووعيده الذي هددنا به ذات يوم، عندما قال وسط الطرواديين، إنه لن يعود إلى طروادة - من السفن - إلا بعد أن يحرقها بالنار ويقتل الرجال أيضا. هذا ما قاله، وأرى الآن أن كل هذا يتحقق فعلا. ويحي! لا بد أن الآخيين الآخرين - المدرعين جيدا - يكنون لي في قلوبهم سخطا، كما هو الحال مع أخيل، فليست بهم رغبة في أن يقاتلوا بجانب مؤخر سفنهم.»

عندئذ رد عليه الفارس نسطور الجيريني بقوله: «نعم، إن هذه الأمور تتحقق الآن بالفعل، بشكل ما كان زوس نفسه - الذي يرعد في عليائه - يرجوه! فيا للعجب! لقد تحطم السور الذي كنا نضع فيه ثقتنا ليكون خطا دفاعيا منيعا لسفننا ولأنفسنا. وإن الأعداء يشنون عند السفن السريعة معركة حامية مستمرة، ولم يعد بوسعك أن تدري - مهما راقبت عن كثب - من أي جانب يتقهقر الآخيون في فوضى لا حد لها، وهم يتهاوون صرعى، وصيحة الحرب تعلو إلى عنان السماء. وليس بوسعنا سوى أن نفكر في هذه الأمور وكيف يمكن أن تجري، لو كان يجدي شيئا، ولكنني لا أنصح بأن نخوض غمار الحرب، فليس للرجل الجريح أن يقاتل، بأية حال.»

فرد «أجاممنون»، ملك البشر، بقوله: «أي نسطور، أما وهم يقاتلون عند مؤخر السفن، ولم ينفع السور المكين ولا الخندق اللذان تكبد الدانيون من أجلهما جهدا مضنيا، آملين في قلوبهم أن يكونا خطا دفاعيا منيعا لسفنهم ولأنفسهم، فهذه ولا بد - فيما أعتقد - إرادة زوس الأعظم؛ أن يهلك الآخيون هنا بعيدا عن أرجوس، ولا ينالوا صيتا. لقد تبينت ذلك عندما كان زوس يساعد الدانيين بقلب صادق، وإني لأعرف ذلك الآن وهو يعطي المجد لأعدائنا، كما يعطيه للآلهة المباركين تماما، وقد كبل أيدينا وقوتنا، ولكن تعالوا فاتبعوا جميعا ما أشير به. هلموا بنا ننزل سفننا - التي كانت قد سحبت إلى فوق، في الصف الأول - فنقربها من البحر، ثم لندفعها إلى البحر المقدس، ونستبقها في عرضه بمرساة من الحجر، حتى يقبل الليل المبارك، الذي قد ينقاد الطرواديون لأمره ويكفون عن القتال، وبعد ذلك يصير في مقدورنا أن نسحب جميع السفن إلى البحر. فما من عار في الفرار من الهلاك، كلا، ولو تحت جنح الظلام، فلخير للمرء أن يهرب من الدمار وينجو، بدلا من أن يقع فيه.»

عندئذ قطب أوديسيوس حاجبيه، وحدجه بنظرة غاضبة وقال: «يا ابن أتريوس، أية كلمة تلك التي أفلتت من بين أسنانك! يا لك من رجل هالك! ليتك كنت قائدا على جيش آخر، يجلله الخزي والعار، ولست ملكا علينا، نحن الذين قدر علينا زوس أن نصطلي بنار الحرب المؤلمة، من الصغر حتى الكبر، إلى أن يهلك كل فرد منا! أحقا أنت تواق هكذا إلى أن تترك خلفك مدينة الطرواديين الفسيحة الطرقات، التي نتحمل من أجلها آلاما كثيرة مبرحة؟ ألا اسكت يا هذا، خشية أن يسمع بعض الآخيين الآخرين هذه الكلمة - التي لا يجدر برجل قط أن يجشم نفسه مشقة التفوه بها - إذا كان يعرف في قرارته كيف ينطلق بالرأي اللائق، فما بالك إذا كان ملكا ذا صولجان، ولديه من الجيوش المطيعة بقدر الأرجوسيين، الذين تحكمهم. إنني أسفه الآن آراءك التي صدرت منك، إذ تأمرنا - والحرب والمعركة قائمتان على قدم وساق - بأن نسحب سفننا ذات المقاعد المكينة إلى البحر، كي يتمكن الطرواديون، أكثر من أي وقت مضى ، من تحقيق بغيتهم - سيما وأنهم المنتصرون الآن - فينزلوا بنا أقصى ما يمكن من الهلاك. إن الآخيين لن يستمروا في القتال إذا أنزلت السفن إلى عرض البحر، ولكنهم سيتطلعون إلى الفرار، وينسحبون من المعركة. وإذ ذاك توقع بنا مشورتك الدمار، يا قائد الجيوش.»

فأجاب أجاممنون، ملك البشر، قائلا: «أي أوديسيوس، حقا لقد وخزت قلبي بتأنيبك اللاذع، ومع ذلك فلست أقسر أبناء الآخيين على أن ينزلوا سفنهم المكينة المقاعد إلى البحر برغم إرادتهم، ولو أن هناك من يستطيع إسداء رأي أحكم من رأيي - شابا كان أم كهلا - لرحبت بمشورته.»

وإذ ذاك قام «ديوميديس» - الرائع في صيحة الحرب - في وسطهم، وتكلم قائلا: «قريب هو ذلك الرجل، ولن نبحث عنه طويلا، إذا كنتم على استعداد لأن تعيروني آذانا صاغية، دون أن يساور أحدكم الاستهجان؛ نظرا لأنني أصغركم سنا. فإني - مع ذلك - أزهو بأنني أنحدر من سيد جليل، هو «توديوس» الذي طواه الثرى في طيبة، ذلك أن «يورثيوس» أنجب ثلاثة أبناء لا نظير لهم، عاشوا في بليورون وكالودون الوعرة، وأجريوس وميلاس. وكان ثالثهم الفارس «أوينيوس» والد أبي، وهو أعظمهم جرأة وإقداما. ولقد بقي «أوينيوس» في بلاده دائما، أما أبي فقد هام على وجهه، حتى استقر يوما في أرجوس، فهكذا كانت ولا بد إرادة زوس والآلهة الآخرين. وقد تزوج إحدى بنات «أدراستوس»، وعاش في منزل غني بأسباب العيش، وامتلك حقولا وفيرة القمح، وبساتين عديدة تحيط بها الأشجار، وكانت أغنامه كثيرة، وبرمحه تفوق على جميع الأرجوسيين، ولا بد أن تكونوا قد سمعتم بكل هذا، فلست أقول سوى الحق. ومن ثم فليس بوسعكم أن تقولوا إنني بحكم أصلي جبان أو ضعيف، فتحتقروا مشورتي، هلم بنا ننزل إلى المعركة، رغم ما بنا من جراح، طالما كانت الحاجة تتطلب منا هذا. وهناك، فلننأ بأنفسنا عن مرمى الرماح، خشية أن يصاب أحدنا بجرح فوق جرحه . أما الآخرون فيجب علينا أن نحثهم ونرسلهم إلى المعركة، أولئك الذين تركوا العنان لسخطهم، فوقفوا على حدة، دون قتال.»

Bog aan la aqoon