9
والمرض البغيض معا، حتى يتفادى الآلام، وكان هو الذي أصابه سهم باريس تحت الفك، أسفل أذنه، ففارقت روحه أعضاءه في الحال، وغشيته الظلمة المقيتة.
خطة جديدة لهكتور!
هكذا كانوا يقاتلون كأنهم النار المتأججة. غير أن هكتور - حبيب زوس - لم يكن قد سمع أو علم قط بأن جيشه يلقى مصرعه في شمال السفن على يد الأرجوسيين. وسرعان ما صار الآخيون على وشك كسب المجد لأنفسهم، إذ كانت قوة مطوق الأرض ومزلزلها، ذلك الذي أخذ يحض الأرجوسيين ويساعدهم، قوة عارمة، ولكن هكتور شدد هجومه على المكان الذي قفز منه، في بادئ الأمر، إلى الأبواب والسور، واقتحم الصفوف المتراصة للدانيين ذوي التروس، في المكان الذي كانت سفن أياس وبروتيسيلاوس قد سحبت عنده إلى البر، بطول شاطئ البحر السنجابي. وكان السور خلفها قد بني أقل ما يكون ارتفاعا.
10
وهناك بالذات، كان الرجال وجيادهم مشتبكين في القتال بحماس.
وكان على البيوتيين والأيونيين - ذوي الثياب الفضفاضة - واللوكريين والفثيين، والأيبيين الأمجاد، أن يبذلوا مجهودا شاقا ليوقفوا هجوم هكتور العظيم على السفن، ولكنهم لم يفلحوا في إقصائه بعيدا عنهم - إذ كان أشبه بلهيب النار - رغم أنهم كانوا صفوة الأثينيين. وكان يتقدمهم «مينيسثيوس بن بيتيوس»، يتبعه «فايداس» و«ستيخيوس» و«بياس» الجريء. بينما تولى قيادة الأيبيين «ميجيس بن فوليوس»، و«أمفيون»، و«دراكيوس». وتقدم الفثيين «ميدون» و«بوداركيس» الجريء في القتال. وكان ميدون ابن سفاح لأويليوس الشبيه بالإله، وشقيقا لأياس، وكان يعيش في فولاكي، بعيدا عن وطنه؛ لأنه كان قد قتل رجلا من أقرباء زوجة أبيه «أريوبيس» التي اتخذها أوبليوس زوجة له. أما بوداركيس فكان ابن أيفيكلوس بن فولاكوس. فوقف هذان متدثرين بعدتهما الحربية، يقاتلان دفاعا عن السفن مع البيوتيين. ولم يبرح أياس السريع - ابن أويليوس - جانب أياس بن تيلامون، ولو للحظة واحدة. وكما يكد الثوران الخمريا اللون معا، في الأرض ذات الأخاديد، ليجرا المحراث المفصلي، فيتدفق العرق سيولا حول جذور قرونهما، ويفصل بينهما النير المصقول - وهما يجاهدان عبر الأخدود - إلى أن يبلغ المحراث نهاية الحقل، هكذا وقف كلا المحاربين «أياس»، وظلا متجاورين. ولقد سارت جموع غفيرة باسلة خلف ابن تيلامون، وكانت من رفاقه المستعدين باستمرار لحمل ترسه عنه إذا ما حل بأطرافه الجهد والعرق. أما اللوكريون فلم يتبعوا ابن أويليوس الجريء القلب؛ لأن قلوبهم لم تكن ثابتة في التحامات المعركة، لا ولا كانت لديهم خوذات برونزية ذات رياش كثيفة من شعر الخيل، ولا تروس مستديرة، ولا أية رماح من الدردار. وإنما كان جل اعتمادهم على الأقواس والأوتار المفتولة جيدا من صوف الأغنام. وكانوا قد تبعوه إلى طروادة، فأخذوا فيما بعد يصوبون بهذه الأدوات في شدة وعنف، ساعين إلى تحطيم كتائب الطرواديين. وراح من كانوا في المقدمة منهم - وهم في عددهم الحربية المرصعة أفخر ترصيع - يقاتلون الطرواديين وهكتور في حلته البرونزية، بينما ظل الآخرون في الخلف يصوبون من مخبئهم. ولم يفكر الطرواديون في مواصلة القتال بعد ذلك، إذ بثت السهام الجبن في نفوسهم.
وكاد الطرواديون - بعد ذلك - أن يتخلوا عن السفن والأكواخ إلى طروادة ذات الرياح، لولا أن «بولوداماس» اقترب من هكتور الجسور، وقال له: «أي هكتور، ما أصعب التفاهم معك، فإنك لا تصغي إلى نصح الناصح. فبقدر ما حباك الله به من تفوق في أعمال الحرب، فإنك في الرأي كذلك معروف بالتفوق على الجميع. ومع ذلك فليس في مكنتك الإلمام بكل شيء من تلقاء نفسك، إذ إن الرب يحبو رجلا بأعمال الحرب، ويحبو آخر بالرقص، وثالثا بالقيثارة والغناء، وفي شخص آخر، يودع زوس - البعيد النظر - عقلا راجحا، يستمد كثير من البشر النفع منه، كما أنه ينقذ كثيرين، وهو ذاته خير من يعرف ذلك عن نفسه؛ ولهذا فإنني سأقول ما أراه الأصلح: انظر، إن حلقة الحرب تشتعل، وها هم الطرواديون ذوو الهمم العالية يهجمون على السور بعنف، وبعضهم يقف بأسلحته بعيدا، بينما يقاتل آخرون، وهم قلة ضد عدد أكبر، وقد تفرقوا بين السفن. هيا، عد إلى الوراء، واستدع إلى هنا جميع الشجعان البواسل، ثم لنتدبر كل رأي بعناية لنرى ما إذا كان الأصلح لنا أن نهجم على السفن الكثيرة المقاعد - إذا كانت إرادة الرب أن يمنحنا النصر - أو نعود بسلام من عند السفن. أما أنا، فإنني أخشى أن يرد الآخيون دين أمس، فإن بجانب السفن رجلا لا يشبع من الحرب، وهو - على ما أعتقد - لن يكبح جماح نفسه بعد ذلك، ولن يبقى بعيدا عن المعركة إطلاقا!»
هكذا قال «بولوداماس» فسر هكتور من مشورته الحصيفة أيما سرور، وقفز لفوره من عربته إلى الأرض - وهو في عدته الحربية - وخاطب بولوداماس بقوله: «أي بولوداماس، هل لك أن تحتفظ هنا بسائر الشجعان البواسل، بينما أذهب أنا إلى هناك لمواجهة القتال، وسأعود بسرعة بعد أن أنزل بهم خطبي كاملا؟»
وما إن قال هذا، حتى انطلق كأنه جبل جليد، يصيح عاليا وسط الطرواديين والحلفاء، فأسرعوا جميعا صوب بولوداماس الشفيق، ابن يانثوس، بمجرد أن سمعوا صوت هكتور. أما هذا، فقد سار بين مقاتلي الصفوف الأولى، بحثا عن دايفوبوس، والأمير الباسل هيلينوس، وأداماس بن أسيوس، وأسيوس بن هورتاكوس، وكأنما كان يتوقع أن يعثر عليهم. غير أنه لم يجدهم قط سالمين، بل كان بعضهم ممددا عند مؤخرة سفن الآخيين - إذ قتلهم الأرجوسيون - والبعض الآخر وراء السور، مصابين بالرماح أو جرحى بطعنات القنا، ولكنه وجد في الحال أحد زملائه - في شمال المعركة المبكية - ذلك هو «باريس» العظيم، زوج هيلينا المصففة الشعر. وكان يحث رفاقه على القتال ويشجعهم، فاقترب منه وخاطبه بعبارات التعبير قائلا: «أي باريس، أيها الشرير، يا أجمل من تقع عليه الأبصار، يا زير النساء المجنون بغرامهن، أيها الغشاش، أين، بربك، دايفوبوس، والأمير الجريء هيلينوس ، وأداماس بن أسيوس، وأسيوس بن هورتاكوس؟ خبرني بالحق، وأين أوثريونيوس؟ ها قد دمرت طروادة الوعرة تماما، وإنك لترى الآن خرابا شاملا محققا!»
Bog aan la aqoon