1
الجليلة في وسطهم تصب لهم النكتار، وهم يشربون في أقداحهم الذهبية. كل واحد نخب الآخر، وينظرون إلى مدينة الطرواديين. وسرعان ما تكلم ابن كورنوس ليثير غضب «هيرا» بعبارات التهكم، فقال بخبث: هناك اثنتان من الربات يحظى «مينيلاوس» بمساعدتهما: «هيرا» الأرجوسية، «وأثينا» الألالكومينية.
2
ومع ذلك فإنهما بمنأى عن المعمعة، وتتمتعان بمشاهدة ما يجري. بينما تقف أفروديت، محبة الضحك دائما، لتبعد عن باريس حتفه؛ فقد أنقذته عندما اعتقد أنه لا بد هالك.
وهكذا، في كل مرة، كان النصر حليف مينيلاوس، العزيز لدى «أريس». وإذن فعلينا أن نقرر كيف ينبغي أن تسير الأمور: «هل نثير من جديد الحرب الشريرة وصخر القتال المفزع، أم نقيم الصداقة بين الجيشين؟ فإذا راق هذا الحل الأخير في عين الجميع، واغتبطوا به، تعين أن تبقى مدينة الملك بريام قائمة كموطن، وأن يسترد مينيلاوس هيلينا الأرجوسية.»
وإذ قال هذا، تهامست «أثينا» و«هيرا» اللتان كانتا تجلسان متجاورتين، وكانتا تحيكان السوء للطرواديين. والحقيقة أن أثينا لاذت بالصمت فلم تنبس ببنت شفة، رغم غضبها من الأب زوس غضبا شديدا سرى بين حناياها. ومع أنه لم يكن بصدر هيرا ما يعادل غضبها، إلا أنها تحدثت إليه قائلة: «يا ابن كرونوس، المهيب للغاية، ما هذا الذي تقول؟ كيف تعتزم أن تتسبب في ضياع تعبي هباء منثورا فلا يكون له أدنى أثر، هو والعرق الذي أفرزته في كدي؟ نعم، بل وتعب جوادي اللذين وهنت قوتهما حين أخذت على عاتقي مهمة حشد الجيش لجلب الهلاك على «بريام» وأبنائه؟ إن لك أن تفعل ما تشاء، ولكن لتثق بأننا، نحن الآلهة الآخرين، لا نوافقك على هذا ألبتة!»
عند ذلك استشاط زوس غضبا، فخاطبها قائلا: «أيتها الملكة الغريبة الأطوار، ماذا جلب عليك بريام وأبناء بريام من أضرار حتى تثوري وتضطربي، وتوطدي العزم على تخريب قلعة طروادة المتينة البناء؟ لو قدر لك أن تدخلي من الأبواب والحوائط العالية، وتأكلي بريام نيئا، وأبناء بريام، وجميع الطرواديين إلى جانب هؤلاء، إذن لأمكنك أن تشفي غليلك وتطفئي من غضبك . فافعلي ما يحلو لك ولا تجعلي هذا النزاع يصبح على مر الزمن سببا للعراك بيننا. كما أنني أود أن أقول لك شيئا، وأرجو أن تحفظيه دائما في قلبك: فلو اجتاحني شوق جارف إلى تخريب إحدى المدن، واخترت مدينة يسكنها أناس أعزاء لديك، فحذار أن تقفي في طريق غضبي قط، بل لتتحملي هذا الغضب؛ لأنني بدوري قد رضخت لرغبتك بمحض إرادتي، ولكن بنفس غير راضية. ذلك أن طروادة، هي من دون جميع المدن الواقعة تحت الشمس أو تحت السماء الزاخرة بالنجوم، والتي يقطنها البشر على ظهر الأرض، أقول إن طروادة المقدسة هي أكثر هذه المدن حظوة بالتبجيل في قلبي، وكذا بريام، وقوم بريام، ذوو السهام الجيدة المصنوعة من خشب الدردار؛ لأن مذبحي لم يفتقر قط إلى وليمة فاخرة من التقدمات والشراب، ونكهة الذبائح المحترقة، ولا حتى إلى طقوس العبادة المفروضة لي.»
عندئذ تحدثت هيرا الجليلة، ذات عيون المها، فأجابته بقولها: «الحق أن لي ثلاث مدن أعزها أكثر من غيرها، وهي أرجوس وأسبرطة وموكيناي الفسيحة الطرقات، فلك أن تخرب هذه المدن إن أصبحت بغيضة إلى نفسك ولن أقف للدفاع عنها أو أحسب لها حسابا كبيرا؛ فرغم أنني عندئذ سوف أحقد عليك، وأهم بالاعتراض على تخريبها، إلا أن حقدي لن يجديني نفعا، فإنك أنت الأقوى بمراحل. كما أنه يبدو لي أنه لا يجب أن يذهب تعبي هباء فلا تكون له نتيجة؛ لأنني بدوري ربة، ومولدي من نسبك؛ إذ أنجبني كرونوس ذو المشورة الملتوية كأمجد بناته في الحكمة المزدوجة، لأنني كبراهن سنا، كما أنني زوجتك أنت يا ملك جميع الخالدين. إذن هيا نعقد هدنة فيما بيننا بشأن هذا الأمر: أنا أذعن لك وأنت تذعن لي، ومن ثم يحذو حذونا غيرنا من سائر الآلهة الخالدين. فلتأمر الآن «أثينا» بأن تشق طريقها وسط الصخب المفزع للمعركة الدائرة بين الطرواديين والآخيين، وتدبر وسيلة ليكون الطرواديون هم البادئين بنكث عهودهم وإيذاء الآخيين الفرحين بظفرهم!»
هكذا قالت، ولم يفت أبا البشر والآلهة أن يصغي إليها، وفي الحال خاطب أثينا بكلمات مجنحة قائلا: «اذهبي، بكل ما أوتيت من سرعة، إلى الجيش - بين الطرواديين والآخيين - ودبري وسيلة كي يبدأ الطرواديون بنكث عهودهم وإنزال الأذى بالآخيين المنغمسين في نشوة ظفرهم.»
نقض الهدنة!
Bog aan la aqoon