تأليف
هوميروس
ترجمة
أمين سلامة
تقديم بقلم المترجم
راودتني فكرة ترجمة إلياذة هوميروس منذ أن كنت طالبا بقسم الدراسات القديمة بجامعة القاهرة؛ فقد استهوتني وداعبت خيالي ووجداني، ونزلت من نفسي مكانة عظمى، وأحسست بأن رباطا قويا يربطني بمؤلف هذه الملحمة الفذة الفريدة.
أخذت أقضي الليالي وأنا أقرأ سطورها اليونانية الصعبة، وكلما قطعت منها شوطا ازددت التصاقا بالنص وبالأفكار الواردة بين سطور هذا العمل الجليل الجبار الفائق الروعة والجمال.
وكان لا بد لي، في هذه الفترة المتقدمة من سني حياتي، وفي مرحلة الاستيعاب والإلمام والتعليم، أن أستعين بالترجمات المختلفة، سواء كانت إنجليزية أو فرنسية ... وكنت لا أترك كلمة كتبت بالعربية عن هذا العمل الأدبي الأول، الذي عرفته البشرية جمعاء في صورته الشعرية البارعة وفي متانة سبكه وطلاوة عباراته وقوة موضوعه، وسلاسة أسلوبه، وجبروت مؤلفه حتى أحاول فهم كافة معانيها واتجاهاتها، وما يرمي إليه كاتبها، حتى وجدتني عاجزا عن تفهم كل ما كتب، وتضاربت الآراء أمامي، وتعددت وجهات النظر، واختلط علي النص اليوناني اختلاطا خطيرا.
أشار علي أساتذتي الأجلاء بأن أعود إلى الترجمة العربية التي وضعها البستاني وصاغها في قالب شعري يستحق التقدير والثناء، غير أنني صدمت لأنني وجدت ترجمة البستاني قد شردت عن النص اليوناني الأصلي، وتركت فجوات، وأضافت من عندها زيادات لا وجود لها في ملحمة هوميروس، التزاما منها بالقافية والوزن الشعري. كما وجدت أن الشعر نفسه غامض كل الغموض، ولا يشجع بحال ما على القراءة الممتعة، كما يضفي على الإلياذة حالة من السرية والتعقيد تنفر منهما النفس والروح والعقل، فاكتأبت نفسي وحزن فؤادي، ونحيت البستاني جانبا، وآليت على نفسي ألا أعود إليه أبدا حتى لا تتأذى نفسي وتتأزم بصورة أشد وأنكى، وحتى لا تتولد عندي نحو هوميروس كراهية لا يستحقها، ونفور لا أشتهيه لشخصي نحوه.
لم تهدأ نفسي الصغيرة، وهي في طور التعلم والدرس إلا عندما استقر في فؤادي، أن تكون إلياذة هوميروس هي شاغلي الأول بعد تخرجي، أعطيها روحي وشبابي، وأهبها حيويتي ووقتي حتى أترجمها ترجمة صحيحة يفيد منها القراء، وأجعلهم يحبونها كما أحببتها، ويحبون صاحبها قدر حبي له بل أكثر، وحتى تتزود المكتبة العربية بأول ترجمة نافعة، وصادقة، مجدية، ودقيقة وافية، وكاملة شاملة، مذيلة بصورة يقرؤها الناس فيفهمونها، ويقصدها الخاصة والعامة فيتلذذون منها، ويخلد إليها الهاوون فيذكرونها بالخير والشكر والتقدير.
Bog aan la aqoon