مثل الذباب إذا حان الربيع وقد
حامت بعنة راعي العنز والنقد
تهافتت تبتغي الألبان هاجمة
على القصاع بلا حصر ولا عدد
وكل سيد قوم قام منفردا
بهم كراع بما يستاق منفرد
ثم إنه نظر إلى الطبيعة، فتناول بتشبيهاته منها كل ما يلوح للناظر، ويروق الخاطر، فوصف النار من القبس والشرار إلى الحريق الذي يلتهم الغاب، ويدمر المدن الكبار، ووصف الأهواء والأنواء من النسيم العليل إلى الزوبعة، والعاصفة، والإعصار الوبيل، وجميع المهاب من صبا ودبور، وجنوب وشمال، والسحب والأمطار من البخار المتصاعد حتى الغيم المتلبد، ومن القطر إلى الغيث المدرار، والسيل الهدار، وأحاط بالبروق والرعود، وظواهر الجو من قوس قزح حتى الشهب الثواقب، وضرب في الفيافي وصعد الجبال، فمثل بالتشبيه جميع ما فيها من شجر، وغاب، وصخر، وتراب، ووصف الورقة الجافة، والشجرة الشماء، وارتقى إلى عالم الأفلاك، واتخذ ما شاء لموصوفاته من شمسها وقمرها، وثوابتها، وسياراتها ، ثم خاض عباب البحر فأخذ بناصية حيتانه، ونينانه، وسائر سكانه من حيوان وجان، وتلقى عجاجه، واستقبل أمواجه، ومثله صافيا وساكنا ومشتدا، ومربدا ومزيدا مرعدا، وجال الأقطار وعبر الأنهار، فولج جوف الأرض فمثل ما فيها، وما تحتها، وما فوقها وما يكنفها من ماء وهواء.
وإذ فرغ من ذلك مد بصره إلى أحوال البشر، فأخذ يقابلها بعضا ببعض فما ألهاه الملك الوقور، والزعيم الجسور عن الجندي الفقير والطريد الكسير، وما أغفل عاملا ولا صانعا، ولا تاجرا، ولا زارعا، وتطرق إلى الشئون البيتية فما غادر أبا، ولا أما، ولا زوجا، ولا زوجة، ولا أخا، ولا أختا، ولا ابنا، ولا ابنة، وألم بكل قريب ونسيب، وبحث في أطوار الحياة، فمثل حالة الشيخ، والكهل، والشاب والطفل، وهو في كل ذلك مستنفر إلى الخير منفر من الشر يشتد موضع الشدة، ويرق موضع الرقة، فيقف بك تارة ترقب العواصف والأنواء، وقد اكفهر الجو واضطرب اليم، ومادت الجبال، وزلزلت الأرض زلزالها، ثم ينثني بك طورا، وقد هاج العاطفة، واستنزل الحنان بالتمثيل النافذ، والتشبيه السهل الممتنع، فترى وصفه في معظم ذلك غريب الصنعة قريب التناول، فأي وصف للائذ أصدق من لياذ الطفلة بأمها إذ يقول:
شهقت كطفل جرت تسرع
ومن دونها أمها تهرع
Bog aan la aqoon