ارتضى واصطفى به ملائكته ومن أنعم عليه من خلقه. فلم تمس بنا نعمة ظهرت ولا بطنت، نلقى بها حظا من دين ودنيا أو دفع بها عنا مكروه فيهما أو في واحد منهما: إلا ومحمد * * * * * سببها، القائد إلى خيرها، والهادي إلى رشدها، الزائد عن الهلكة وموارد السوء في خلاف الرشد المنبه للأسباب التي تورد الهلكة القائم بالنصيحة في الإرشاد والإنذار فيها . فصلى الله على محمد وعلى آل محمد كما صلى على إبراهيم وآل إبراهيم إنه حميد مجيد.
فنسأل الله المبتدئ لنا بنعمة قبل استحقاقها، المديمها علينا مع تقصيرنا في الإتيان على ما أوجب به من شكره بها، الجاعلنا في خير أمة أخرجت للناس، أن يرزقنا فهما في كتابه، ثم سنة نبيه، وقولا وعملا يؤدي به عنا حقه، ويوجب لنا نافلة مزيدة (1).
وبعد،، فهذا التراث الضخم الذي آل إلينا من أسلافنا جدير بأن نقف أمامه وقفة الإكبار والإجلال، ثم نسمو برؤوسنا في اعتزاز وشعور صادق بالفخر والغبطة والكبرياء لأنه جزء أصيل من كيان الأمة ووجودها.
والوعي بالتراث أمر ضروري لحياة الأمة، وهو يجعلها تطل من خلاله على واقعها المعاصر بعين البصيرة الواعية التي تبني حاضرها على أسس سليمة، ودعائم راسخة من تطلعات الحاضر، وعراقة الماضي.
PageV0MP010
ولذا بذل الاستعمار وأعوانه - وما زالوا - محاولاتهم لصرف الأمة عن تراثها ونبذه وراء ظهرها، تمهيدا لهدم هذا الصرح العظيم إيذانا بضياع هذه الأمة.
وقد منيت هذه الثروة بنكبات وكوارث وعواد عبر العصور أتت على مئات الآلاف بل الملايين منها تلفا وإحراقا وضياعا.
ومن منا لا يتذكر حادثة هولاكو وجنوده الذين صنعوا من الكتب جسرا يعبرون عليه نهر دجلة.
هذا إلى جانب ما أحرقه الصليبيون - أحرقهم الله - في حملاتهم المسعورة على البلاد الإسلامية، فقد قدر بعض المؤرخين ما أتلفه الصليبيون في طرابلس وحدها بثلاثة ملايين مجلد.
هذا بالإضافة إلى ما نهب وسرق من قبل المستشرقين والدول الاستعمارية في العصور الأخيرة.
وحسبنا في تقدير ما أصاب تراثنا المخطوط من تلف وضياع أننا نفتقد اليوم أسماء قدر كبير من المؤلفات القيمة التي تطالعنا أسمائها في تراجم العلماء والأدباء، وفي المصادر التي تعنى برصد حركة التأليف: كالفهرست لابن النديم، وكشف الظنون وذيوله، ومفتاح دار السعادة، وكتب برامج العلماء، حيث لا نقف في هذه المصادر إلا على مجرد الاسم فقط ولا نجد له أثرا في الواقع بعد البحث والتحري في مظانها. PageV0MP011
هذا فضلا عن الكتب التي لم يبقى منها سوى أشلاء مبعثرة وهي في حالة تدمي القلب وتصيب الانسان بالحسرة على مجد هذه الأمة الضائع.
وعلى الرغم من ذلك فما بقي من هذا التراث، والذي هو أمانة بين أيدي الأمة الآن، يعد مفخرة لأمتنا، ويعبر عن مدى عناية علماء الأمة - طوال عصورها - بهذا التراث.
بيد أن الضعف الذي أصاب الأمة في هذه الأيام قد انعكس على هذا التراث بما ينذر بضياع البقية الباقية منه إن لم تداركه أيدي المصلحون ولله الأمر من قبل ومن بعد.
ويرجع اختيارنا لكتاب (إكمال تهذيب الكمال) للعلامة مغلطاي رحمه الله إلى عدة أسباب.
أولا: بحكم التخصص في هذا المجال الذي هو الحديث الشريف وعلومه، منذ أكثر من عشرين عاما، فهو من أهم العلوم الشرعية وأكثرها تولجا في العلوم منه استمدت مناهجها وبأدواته واصطلاحاته قام بنيانها، ولذلك كثر وهم العاطلين منه والمخلين، وازداد المتمكنون منه صوابا ولقيت مصنفاتهم كل عناية وترحيب.
فهو بحق جدير بأن تفنى فيه الأعمار ويبذل في سبيل تحصيله الغالي والنفيس.
والله نسأل أن يزيدنا استبصارا به وتبحرا فيه، وعملا بمقتضاه إنه نعم المسؤول. PageV0MP012
ثانيا: ما زال المسلمون يتطلعون إلى بناء الموسوعة الشاملة للحديث النبوي الشريف والتي يتم خلالها تجميع كتب السنة وإعادة ضبط ما يحتاج منها على أصوله الخطية، والحكم على حال نصوصها من الصحة والضعف وفق أقوال أهل العلم ومناهجهم، ولن يتأتى هذا إلا من خلال تجميع كتب الرجال ضمن موسوعة واحدة قيمة يتم خلالها تجميع كل ما قيل في الراوي من أقوال الجرح والتعديل وبما يعين الباحثين على الوصول إلى حالة في الرواية.
وهذا لن يتأتى إلا بدراسة مصطلحات وألفاظ كل إمام على حدة حيث إن كل إمام يعد مدرسة مستقلة في هذا الجانب.
وكتاب (الإكمال) للعلامة مغلطاي بما يحويه من فوائد وتجميعات لهذه الألفاظ وتحليلات لها ومعلومات قيمة تشمل كل جوانب ترجمة الراوي بما تجعله بحق خزانة علم بحق وحلقة هامة لا يستغني عنه في أي مشروع يخص رجال الحديث النبوي الشريف.
وكيف لا وقد بنى الحافظ ابن حجر كتاب (تهذيب التهذيب) على كتاب مغلطاي حذو القذة بالقذة، واستخلص معظم مادته العلمية منه، حتى إنه ليتابعه في كثير من الأوهام مع دعوى الحافظ أنه سيحرر ويعود إلى الأصول، إلا أن واقع الكتاب يشهد أن الحافظ لم يفعل هذا إلا في القليل النادر. PageV0MP013
وقد أفصحنا عن شئ من هذا في مواضع عديدة من الكتاب.
وكذا استفاد منه سبط ابن العجمي في كتابه (نهاية السول في رواة الستة الأصول) وهو ما زال في حيز المخطوط.
ولا يتصور أحد أن في كتاب ابن حجر غناء عن كتاب مغلطاي فمن طالع الكتابين علم الفارق بينهما، وهو كالفارق بين الهجان والهجين، والأصيل والدهين.
ولا ينقضي عجبي كيف يظل كتاب مغلطاي حبيس دور الكتب إلى هذه الأعصار المتأخرة، في حين يطبع كتاب ابن حجر (تهذيب التهذيب) عشرات الطبعات بما يملأ أرجاء العالم الإسلامي، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، والأعمال بالنيات.
وكذا الحال بالنسبة لكتاب (الكمال) للحافظ عبد الغني بن سعيد المقدسي الذي هو أصل الأصول، فما زال الكتاب في حيز المخطوط.
وقد كان هذا هو حال كتاب (تهذيب الكمال) للعلامة المزي إلى عهد قريب تداركته العناية الإلهية فطبع بعناية الدكتور / بشار عواد.
وكتاب (إكمال تهذيب الكمال) مع غزارة مادته العلمية وما بذله العلامة مغلطاي من مجهودات في تجميع هذه المادة واستخراجها من بطون مئات من المراجع النادرة، والتي لم تتوافر لكثير من أهل العلم في عصره. PageV0MP014
إلا أن العلامة مغلطاي تناكر في هذا الكتاب وذلك بخروجه وتجاوزه حدود الأدب مع شيخه العلامة الحافظ المزي وإطلاق لسانه فيه حتى وصل به الحال أن رماه بالجهل وقلة العلم واغتراره بمن حوله من صغار الطلبة.
لقد أظهر المصنف تجاه شيخه المزي وتلميذه الذهبي حقدا دفينا كشف به عن سوءاته وما يضمره لهذين العالمين من ضغينة دفعته إلى استعمال سوء الأدب معهما والتعصب والتشغيب في الردود عليهما بما لا يليق بعالم مثله. وهذا أسوأ ما في الكتاب، ولعل بشأن صنيعه هذا أحمد الله ذكره، وأخر العناية بكتبه حتى عصرنا الحاضر فالله يعفو عنه ويسامحه.
وقد آثرنا أن يكون الكلام عن الكتاب، ومنهج المصنف وما يؤخذ عليه في فصل مستقل حتى تجتمع الفائدة وتكتمل، فانظره عقب ترجمة المصنف إن شاء الله.
وقبل أن أختم هذه الافتتاحية أحب أن أؤكد أننا لم ندخر وسعا في ضبط مادة الكتاب وهذا مبلغ علمنا وغاية جهدنا، فمن وقف فيه على تقصير أو خلل أو غير ذلك منه على تغيير أو زلل فليعذر إخوانه في ذلك متطولا، وليصلح منه ما يحتاج إلى إصلاح متفضلا، أو يبلغنا إياه شاكرين له، فالتقصير من الأوصاف البشرية، وليست الإحاطة بالعلم إلا لبارئ البرية، فهو الذي وسع كل شئ علما، وأحصى مخلوقاته عينا، واسما. PageV0MP015
وقديما قال الإمام مسلم في كتابه التمييز (1): (فليس من ناقل خبر وحامل أثر من السلف الماضين إلى زماننا وإن كان من أحفظ الناس وأشدهم توقيا وإتقانا لما يحفظ وينقل إلا الغلط والسهو ممكن في حفظه ونقله) أ. ه.
فنسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لنا زللنا، وأن يبارك في علمنا هذا ويجعله خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع به أهل العلم وطلابه وأن يجزل مثوبة علمائنا، وأن يتجاوز عما أخطأوا فيه، وأن يرزقنا حسن الأدب معهم والحمد لله رب العالمين.
المحققان
PageV0MP016
ترجمة المصنف (*) اسمه ونسبه:
هو العلامة المحدث أبو عبد الله علاء الدين مغلطاي بن قليج بن عبد الله البكجري الحكري التركي الأصل مصري النشأة.
وسماه القاضي تقي الدين الحنفي كما في (طبقات الحنفية):
محمد مغلطاي.
وقال برهان الدين العمادي: علاء الدين على مغلطاي (1).
ومغلطاي بضم الميم وإسكان الغين وفتح اللام كذا عند الأكثرين.
ويقال: بضم الميم وفتح الغين واسكان اللام، ورجحه خير الدين الزركلي في (الأعلام) وقيل غير ذلك.
وقليج بضم القاف بجيم آخره مصفرا، وقيل
PageV0MP017
بكسر القاف آخره حاء مهملة (1).
ووقع في (لسان الميزان) بفاء في أوله كذا في جميع الأصول الخطية غير أن الحافظ ابن حجر ذكره في (الدرر) بقاف وجيم البكجري بفتح الموحدة وسكون الكاف وفتح الجيم كذا في (ذيل لب اللباب) نقلا عن الداودي (2).
مولده:
ذكر الحافظ ابن حجر في (الدرر الكامنة) قال: وكان مغلطاي يذكر أن مولده سنة 689 ه، ولما سأله العراقي عن مولده قال: سنة 689 ه.
وقيل بعد سنة 690 حكاه ابن حجر عن الصفوي (3)، وكذا ذكره الشوكاني (4).
وقيل: في سنة 690 حزم به ابن رافع كما في (النجوم الزاهرة).
شيوخه: بحكم نشأة العلامة مغلطاي في مصر، ومقامه بالقاهرة التي كانت في ذاك الوقت عامرة بالعلماء والحفاظ مما أتاح له الفرصة للقاء العديد من مشاهير الحفاظ والفقهاء منهم:
PageV0MP018
(1) الإمام الفقيه المحدث محمد بن علي بن وهب بن مطيع القشيري المعروف بابن دقيق العيد قاضي الدار المصرية المتوفى سنة 702 ه.
وشكك جماعة من الحفاظ، كالعراقي وابن حجر في سماعة المصنف منه، وتأتي مناقشة هذه القضية عند حكاية أقوال أهل العلم في المصنف.
(2) الإمام الحافظ العلمية أبو محمد عبد المؤمن بن خلف الدمياطي المتوفى سنة 705 ه وهو من أشهر مشايخه ويحكى عنه كثيرا في كتابه هذا.
(3) نور الدين علي بن نصر الله بن عمر القرشي المصري الشافعي المعروف بأبي الحسن بن الصواف المتوفى سنة 712 ه راوي (سنن النسائي)، وذكر مغلطاي أنه سمع منه أربعين حديثا من (سنن النسائي)، وكان ذلك سنة 712 ه، كما في (لحظ الألحاظ) قد شكك الحافظ العراقي في سماعه منه كما يأتي بيانه.
(4) الحسن بن عمر بن عيسى بن خليل أبو علي الكردي نزيل الجزيرة بمصر المتوفى سنة 720 ه.
ذكره ابن حجر في (الدرر الكامنة).
(5) شيخ الاسلام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الحراني المعروف بابن تيمية.
كذا ذكره المصنف عند ترجمة زهرة غير منسوب من هذا PageV0MP019
الكتاب، ونعته بقوله: شيخنا.
(6) الإمام الحافظ الفقيه محمد بن محمد بن محمد بن أحمد اليعمري المعروف بابن سيد الناس المتوفى سنة 734 ه.
كذا ذكره ابن حجر، وغير واحد في شيوخ المصنف وهو أشهر من تخرج بهم كما ذكر ابن فهد في (لحظ الألحاظ) (1).
(7) الإمام الفقيه علي بن عبد الكافي بن تمام أبو الحسن السبكي المتوفى سنة 756 ه.
ذكره ابن حجر (2) وغيره.
(8) الحافظ أبو العباس أحمد بن أبي طالب الحنفي المعروف بابن الشحنة المتوفى سنة 730 ه.
ذكره ابن فهد في (لحظ الألحاظ) (3).
(9) الإمام العلامة الحافظ جمال الدين يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف أبو الحجاج المزي، المتوفى سنة 742 ه.
فقد نعته المصنف في تقدمة كتابه هذا بقوله: شيخنا.
هؤلاء أشهر شيوخ المصنف الذين حمل عنهم العلم اقتصرنا عليهم، لصعوبة الحصر في هذا الباب، وخاصة أن المصنف من المكثرين عن الشيوخ، والحمد لله.
PageV0MP020
تلاميذه: لقد نال العلامة مغلطاي بسبب كثرة علمه وسعة اطلاعه شهرة وذاع صيته، مما دفع كثيرا من نبهاء الطلبة إلى التوجه إليه والإقبال على دروسه، فكان أشهر من تتلمذ عليه وتخرج به:
1 - الإمام الفقيه أبو حفص عمر بن علي بن أحمد الأنصاري الشافعي المذهب المعروف بابن الملقن توفى عام 804 ه.
لازم المصنف ملازمة شديدة، وتخرج به وقد نسج كثير من مصنفاته على منوال مصنفات شيخه (1).
2 - العلامة الفقيه سراج الدين عمر بن رسلان الكناني الشافعي المعروف بالبلقيني مات سنة 805 ه (2).
3 - الإمام الحافظ زين الدين عبد الرحيم بن حسين بن عبد الرحمن المعروف بالعراقي مات سنة 806 ه (3).
4 - إسماعيل بن إبراهيم بن محمد، أبو محمد الحنفي الكناني مات سنة 803 ه.
ذكر الحافظ السخاوي أنه تخرج بالحافظ مغلطاي (4).
5 - عبد الله بن مغلطاي بن قليج ابن المصنف مات سنة 791 ه (5).
PageV0MP021
آراء العلماء فيه:
مع ما وصل إليه العلامة مغلطاي من علم، وما نال من مناصب مرموقة كانت جديرة أن يصون نفسه عن المهاوي التي تعترض طريق أهل العلم، فدفعته شهوة الاستكثار من السماع إلى إدعاء ما ليس عنده مما عرضه لسياط أهل العلم ولدغاتهم وهم في ذلك معذورون، لأن من أظهر سوءا عامله العلماء بسوء وإن كانت نيته حسنة.
فقد تورط المصنف في أمور - لو صحت - فهي مفسدة للعدالة وبعضها ينبئ عن تدني مستوى كفاءته العلمية - كما يأتي بيانه -.
كما أدى إطلاق المصنف لسانه في مشايخه وأقرانه من علماء عصره إلى تصدي العلماء له وتتبع زلاته وكشفها ومن جذب ذيول الناس جذبوا ذيله، فالله يعفو عنا وعنه.
ما ورد في الثناء عليه:
وصفه الحافظ ابن حجر بالإمام العلامة (1)، وقال: انتهت إليه رئاسة الحديث في زمانه (2)، وفي مقدمة (تهذيب التهذيب) (3) وصفه بأنه شيخ الشيوخ.
وقال الحافظ ابن فهد المكي (4): العلامة الحافظ المحدث المشهور.
PageV0MP022
وسئل الحافظ العراقي (1) عن أربعة تعاصروا أيهم أحفظ: مغلطاي وابن كثير وابن رافع والحسيني، فأجاب بأن مغلطاي أوسعهم حفظا.
وفي (ذيل البر) (2) وصفه أبو زرعة ابن العراقي بأنه صاحب التصانيف المشهورة، بأنه شيخ المحدثين.
وفي (حسن المحاضرة) (3): قال الحافظ السيوطي: كان عارفا بفنون الحديث.
ما نسب إلى العلامة مغلطاي من تجاوزات ومناقشة ذلك:
ومن أشد ما شنعوا به عليه إدعاؤه السماع من أبي الحسن الصواف الإمام راوي (سنن النسائي) وابن دقيق العيد وغيرهما.
قال الحافظ ابن حجر في (لسان الميزان) (4):
قال شيخنا العراقي: وسألته عن أول سماعه، فقال: رحلت قبل السبعمائة إلى الشام. فقلت: فهل سمعت بها شيئا؟ قال:
سمعت شعرا ثم أدعى أنه سمع علي أبي الحسن بن الصواف راوي النسائي. فسألته عن ذلك، فقال: سمعت عليه أربعين حديثا من النسائي انتقاء نور الدين الهاشمي بقراءته، ثم أخرج بعد مدة جزءا منتقى من النسائي بخطه ليس عليه طبقة لا بخطه ولا بخط غيره.
PageV0MP023
فذكر أنه قرأه بنفسه سنة اثنتي عشرة على ابن الصواف، يعني سنة موته.
وقال العراقي: وادعى أن الفخر بن البخاري أجاز له، وصار يتتبع ما كان خرج عنه بواسطة، فيكشط الواسطة ويكتب فوق الكشط: أنبأنا.
وقد قال في هذا الجزء: سمعت الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد يقول،. بمدرسة الكاملية، سنة اثنتين وسبعمائة: قال رسول الله * * * * *: (لا تجتمع أمتي على ضلالة) قال العراقي: فذكرت ذلك للسبكي فقال: إن الشيخ تقي الدين ضعف في آخر سنة إحدى وسبعمائة، وتحول إلى بستان خارج باب الخرق فأقام به إلى أن مات في صفر سنة اثنتين وسبعمائة.
قال: ثم ذكر لي مغلطاي أنه وجد له سماعا على الشيخ تقي الدين في جزء حديثين فسألته عنه فقال: من سنن الكجي فقلت له:
من كتب الطبقة ؟ فقال: الشيخ تقي الدين نفسه. فسألته أن أقف عليه فوعد، فوجدته بعد بخزانة كتبه الظاهرية. فطلبته منه فتعلل.
ثم وقفت في تركته على سنن أبي مسلم الكجي وفيه سماعه لشئ منه على بنت الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد (1) أ. ه.
وهذه هولة عظيمة لمغلطاي، كان أجدر به، - وهو العالم - أن ينأى بنفسه عن مثل هذه المزالق التي أضرت به وأذهبت ببركة علمه وهي ثناء الناس عليه في محياه ومماته. فالله يعفو عنا وعنه.
PageV0MP024
وفي (لحظ الألحاظ) (1) قال ابن فهد: وكان أول سماعه الصحيح للحديث في سنة سبع عشرة وسبعمائة، غير أنه ادعى السماع من جماعة قدماء ماتوا قبل هذا كالدمياطي، وابن الصواف، ووزيرة ابنة المنجا، وتكلم فيه الجهابذة من الحفاظ، لأجل ذلك ببراهين واضحة قد تقدم بعضها فالله تعالى يغفر لنا وله.
ا. ه.
وذكر ما سبق أن سقناه عن العراقي.
وفي (اللسان) - أيضا -: وصنف (الواضح المبين فيمن استشهد من المحبين) فعثر منه الشيخ صلاح الدين العلائي على كلام ذكره في أوائله ما غرر به القاضي موفق الدين الحنبلي، فعزره ومنع الكتبيين من بيع ذلك الكتاب.
وقد أفصح ابن العماد في (الشذرات) (2) عن هذا الأمر، فقال:
فلما كان في سنة خمس وأربعين وقف له العلائي لما رحل إلى القاهرة على كتاب جمعه في (العشق) تعرض فيه لذكر الصديقة عائشة - رضي الله تعالى عنها - فأنكر عليه ذلك، ورفع أمره إلى الموفق الحنبلي، فاعتقله بعد أن عزره، فانتصر له ابن البابا وخلصه.
ومع وضوح الأمر إلا أن هذا لم يكن كافيا عند الشيخ الكوثري (3) - الحنقي المتعصب - فأخذ يرغي ويزبد ويلقي بالتهم
PageV0MP025
جزافا فأصاب كثير من أفاضل أهل العلم من حيث يدري أو لا يدري.
وادعى أن ما حكاه أهل العلم ليس فيه حجة صريحة، بل هو ظن ومناحرة بين الأقران، وغالب ما ذكره الكوثري في الدفاع عن المصنف من مغالطاته المعهودة، فهو يسقط كل القواعد والأعراف إذا كان الأمر متعلقا بأحد بني مذهبه، حتى ولو أدى الأمر إلى الإطاحة برؤوس الكثير من أهل العلم.
وكتابه (تأنيب الخطيب) شاهد عيان على ذلك، وقد قيض الله تبارك وتعالى له أحد أفذاذ علماء العصر وهو العلامة المعلمي اليماني - رحمه الله - فألقمه حجرا، ورد سهمه في نحره، وذلك في كتابه الماتع المسمى (بالتنكيل لما في تأنيب الكوثري من الأباطيل).
فجزاه الله عن الاسلام وعلمائه خيرا.
ومع وضوح التهم فهذا لا يدفعنا إلى إهدار أعمال الرجل، لما تحويه من علم وفوائد واسعة في النقل لا يستغني عنها طالب علم، مع الاحتراز والتثبت فيما يحكيه، لأنه قليل التحرير والتدقيق.
قال الحافظ زين الدين بن رجب (1): كان عارفا بالأنساب، معرفة جيدة، وأما غيرها من متعلقات الحديث فله بها خبرة متوسطة.
وقال الحافظ ابن حجر في (اللسان) (2): وقرأ عليه في الجزء
PageV0MP026
الذي خرجه لنفسه، وفيه أوهام شنيعة مع صغر حجمه، وكذلك رأيت ردا عليه في هوامشه للحافظ أبي الحسن بن أيبك.
وقال: وعمل في فن الحديث (إصلاح ابن الصلاح) فيه تعقبات على ابن الصلاح أكثرها غير وارد وناشئ عن وهم، أو سوء فهم.
وقال: كتبه كثيرة الفائدة على أوهام له فيها ا. ه.
وما قاله الحافظان ابن رجب، وابن حجر واضح لكل من طالع كتب المصنف، ككتابه في (التعليق على سنن ابن ماجة)، وكتابه في (المختلف فيهم من الصحابة) وهذا الكتاب موضوع التحقيق وبأدنى تأمل، فهو واسع النقل قليل التحرير شديد التعصب على أهل العلم. عكس ما ذهب إليه الشيخ الكوثري الذي اتهم الحافظ ابن فهد زورا وبهتانا أنه لم يطالع كتب المصنف، ودليله على ذلك أن الحافظ ابن فهد لم يذكر ضمن مؤلفات المصنف كتاب (إكمال تهذيب الكمال)، وهذا عجيب من الشيخ! فالكتاب ذكره ابن فهد ضمن مؤلفات المصنف، كما في (لحظ الألحاظ) (1)، والذي علق عليه الشيخ ونفس الموضع بقوله: وكتاب ذيل به على تهذيب الكمال للمزي.
فعلق الكوثري بقوله: وهو المسمى بالإكمال!.
فهل يا ترى غفل الكوثري عن هذا؟ أم أن الهوى غلب عليه؟!
وقد عقدنا فصلا خاصا لدراسة كتابه (الإكمال) الذي هو محل
PageV0MP027
التحقيق، فانظره في هذه الافتتاحية إن شاء الله.
وفاة المصنف:
اتفق العلماء أن وفاته كانت في شعبان سنة 762 ه، زاد ابن العماد والسيوطي (1) أن ذلك كان في الرابع عشر من شعبان، إلا ما كان من الحافظ ابن حجر حيث ذكر في (اللسان) (2): أن وفاته كانت في الرابع والعشرين من شعبان سنة إحدى وستين وسبعمائة، وهو خلاف ما ذكره في (الدرر الكامنة) (3) موافقا لجماعة العلماء.
وذكر محقق كتاب (الدرر الكامنة) الأستاذ / محمد سيد جاد الحق أن المقريزي صحح في (خططه) أن وفاته كانت سنة 732 ه. والثابت عن المقريزي ما قاله الجماعة، والله أعلم.
وكانت وفاته - كما ذكر ابن فهد وغيره - في المهدية خارج باب زويلة من القاهرة بحارة حلب ودفن بالريدانية، وتقدم للصلاة عليه القاضي عز الدين بن جماعة.
رحمه الله تعالى وغفر له، وجزاه خيرا على ما قدم من علم نافع.
PageV0MP028
أهم مؤلفات المصنف (1) كتاب (إكمال تهذيب الكمال) وهو موضوع التحقيق.
(2) (الاكتفاء بتنقيح كتاب الضعفاء) مخطوط. ينقل عنه كثير في كتابه السابق.
(3) (الإعلام بسنته عليه السلام) مطبوع. شرح لسنن ابن ماجة.
(4) (الإبانة عن المختلف فيهم من الصحابة) مخطوط. ولم يتمه ونسبه إليه السيوطي في ذيل التذكرة (1) وغير واحد.
(5) (إصلاح بن الصلاح) وهو نكت على كتاب علوم الحديث لابن الصلاح. ذكره له الحافظ ابن حجر في كتابه (النكت) والسخاوي في (الإعلان بالتوضيح) (1).
(6) (الاستدراك على تحفة الأشراف) ذكره ابن حجر في (اللسان).
(7) (ترتيب بيان الوهم والإيهام) لابن القطان. ذكره ابن حجر في (اللسان).
(8) ترتيب زوائد ابن حبان على الصحيحين). ذكره ابن حجر وابن فهد (لحظ الألحاظ) (3).
PageV0MP029
(9) (الواضح المبين في ذكر من استشهد من المحبين). ذكره ابن حجر في (اللسان) وغير واحد، وبسبب هذا الكتاب تعرض له العلائي، وتعرض لمحن حتى خلصه بعض أهل العلم كما سبق بيانه.
هذا أهم ما للمصنف من مؤلفات، وإلا فقد استوعب كثير من المترجمين له معظم مؤلفاته فلتنظر. PageV0MP030
كتاب (الإكمال) وأهميته وكتاب الإكمال أصله كتاب (الكمال) لحافظ عبد الغني بن سعيد أبو محمد المقدسي (ت: 600 ه) الذي كان محط أنظار الباحثين ومحل عنايتهم، إلى أن قام الإمام جمال الدين المزي حافظ العصر في وقته فعمل عليه تهذيب يعتبر من أجود ما صنف في هذا الفن وقد صار فيما بعد حكما بين المختصين في هذا العلم وإليه المرجع عند الخلاف.
وقد كان من اهتمام العلماء به واحتفائهم أن كثرت عليه الاختصارات مثل كتاب (تذهيب التهذيب) و (الكاشف) وهما للحافظ الذهبي، وكتاب (التكميل) للحافظ ابن كثير.
وهو كعامة كتب المتأخرين بداية من القرن الخامس مرورا بعصر المؤلف تتميز بالجمع والترتيب والاستدراكات والشرح.
فقد كان جل همهم استفراغ ما دون في كتب المتقدمين من معلومات ومحاولة الزيادة والاستدراك عليها فجاءت كتبهم حافلة بالمعلومات والاستدراك.
ثم جاء كتاب العلامة مغلطاي - رحمه الله - ذكر في افتتاحية كتابه أنه بدأ في تأليفه عام 744 ه. وأكمل تأليفه في مثل حجم الأصل. PageV0MP031
وذكر الحافظ ابن فهد (لحظ الألحاظ) (1) أنه يقع (2) في أربعة عشر مجلدا اختصر منه ما اعترض به على الحافظ المزي في مجلدين ثم في مجلد لطيف.
وفي مقدمة (تعجيل المنفعة) (3) أنه اختصره في قدر النصف، ثم في مجلد اقتصر فيه على التعقيبات، وذكر أنه وقف عليه بخطه.
ومن خلال دراستنا للكتاب وعملنا فيه فقد تبين أن الكتاب ملئ بالفوائد الهامة، بقدر ما فيه من أوهام وتشغيب كما وصفه الحافظ أبو زرعة العراقي - رحمه الله - في كتابه (ذيل العبر) (1 / 70) ومن الممكن أن نجمل أهم ما يميزه في الآتي: - أولا: استدراك بعض التراجم التي غفل عنها المزي - بزعمه - وهي على شرط كتابه (التهذيب) ولازمة له.
وهي على قلة عددها إلا أن الكثير منها لا يلزم المزي بل هي وهم من المصنف.
مثل: إسماعيل بن عمرو البجلي الذي زعم أن مسلما أخرج له فاستدركه على المزي، ووهم في ذلك كما نبه عليه ابن حجر وبين أنه تصحيف من إسماعيل بن عمر الواسطي.
ومثل إسماعيل بن قعنب الذي لم يتفطن له المصنف وأنه نسبه
PageV0MP032
إلى جده وهو إسماعيل بن مسلمة بن قعنب ترجم له المزي في هذا الموضع.
وانظر - أيضا - إسماعيل بن زرارة، وإسماعيل بن جرير بن عبد الله البجلي وغير ذلك كثير ممكن الاطلاع عليه في ثنايا الكتاب.
ثانيا: من أهم ما يميز الكتاب أنه حفظ لنا مادة لروايات في الجرح والتعديل انعدم وجودها الآن بين الناس كرواية أبي جعفر البغدادي عن أحمد، ورواية الغلابي عن يحيى بن معين ونحو ذلك، وكذا النقل عن كثير من مصادر العلم المفقودة الآن ككتب الرشاطي، وكتب الزبير بن بكار وكتاب (الوفيات) لابن قانع، وكتاب (التعريف بصحيح التاريخ) لأحمد بن أبي خالد وتاريخ القراب.
وغير ذلك من الكتب النافعة والتي انتهت من عالمنا الآن فرحم الله المصنف وجزاه خيرا.
ثالثا: قام باستدراك كثير من أقوال الجرح والتعديل لم يتعرض المزي لذكرها.
وغالب هذه الأقوال عن المتأخرين، وكثير ممن ذكر إما من المتساهلين كابن شاهين والحاكم، أو لا يعبأ به في هذا العلم كابن حزم، أو غير المدققين كأبي إسحاق الصريفيني.
رابعا: نعم احتوى الكتاب على نقولات كثيرة من الأهمية بمكان ذكرها وخاصة ما ينقله عن كبار الأئمة كابن المديني وابن معين PageV0MP033
وغيرهما في إتيان السماعات ونفيها مثل ما فعل في ترجمة الحسن البصري، وإبراهيم بن يزيد النخعي، وكذا التيمي.
وغير ذلك كثير.
ولكن يعيب المصنف أنه ينقل بلا تحرير، ولا يهتم بثبوت هذه الأقوال عن أصحابها، وهذه آفة من آفات الكتاب، ويأتي مزيد بيان بهذا الصدد عند الحديث عن المآخذ على منهج المصنف.
التنبيه على الرواة الذين أخرج لهم أصحاب الصحاح كابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وابن الجارود في كتابه المنتقى وغير هؤلاء إشارة منه إلى أن هذا التخريج فيه نوع توثيق من أصحاب هذه الكتب للراوي المترجم.
خامسا: هذا بالإضافة إلى ما اشتمل عليه الكتاب من تعقبات ومآخذ نجملها في الآتي:
أ - التعقب على المزي والاستدراك عليه في أنساب الرواة وهذا أهم ما يميز الكاتب قد برع العلامة مغلطاي في هذا الفن وتعقباته تشهد له بالنبوغ فيه وقد شهد له كثير من أهل العلم بالتضلع في هذا الفن من العلم. انظر على سبيل المثال، ترجمة:
الحارث بن حسان بن كلدة، والحارث بن عمرو السهمي، والحارث العقيلي وغير ذلك.
ب - تعقب المزي في إغفاله لبعض من أخرج لصاحب الترجمة من أصحاب الكتب الستة مع ثبوت روايتهم عنه. PageV0MP034
وقد اعتمد العلامة مغلطاي في كثير من هذه التعقبات على أبي إسحاق الصريفيني وغالبها وهم كما سبق أن أشرنا إليه.
ج - تصويب وإتمام كثير من النصوص التي نقلها المزي بالمعنى أو اضطر إلى أخذها بالوسائط لعدم وجود الأصل.
د - اهتمام المصنف بالتمييز بين الراوي صاحب الترجمة وما يظن أنه شكل معه. وقد توسع المصنف في هذا الجانب، والكثير منه لا يلزم المزي.
كانت هذه أهم أنواع التعقبات التي تعقب بها المصنف على المزي.
ولقد كان له - أيضا بعض المآخذ نجملها في الآتي: - (1) أنكر المصنف على المزي اهتمامه بذكر أسانيده إلى الرواة المترجمين من قبيل العلو والموافقة والأبدال وغير ذلك، وقد وصل في إنكاره إلى حد الشطط حيث قال في ترجمة سعيد بن بشر الأنصاري: لقد ضاق ذرعي وسئمت من تكرار هذا القول، ولولا تورطي في هذه العجالة التي أكتبها إلى هذا الموضوع لكنت تركت إتمامها.
وفي موضع آخر ترجمة زيد بن خراجة بن أبي زهير نظم شعرا حول هذا المعنى:
أبا الحجاج قد صعد الثريا كلامي إذ نزلت إلى الحضيض بلغت به المدى لما تعبنا وصابرت الهاد كالمريض وجئت بقول أهل العلم طرا تشغلك أنباء السند العريض PageV0MP035
وقد جعل المصنف هذا الأمر ديدنه على طول الكتاب (1) مع أن هذا لا يعاب المزي به كما نبه الحافظ ابن حجر (2) ولكنه لم يحرك ساكنا تجاه هذه التطاولات ومر عليها مرور الكرام فالله يغفر للمصنف ولعلماء المسلمين.
(2) الانكار على المزي محاولة استيعاب شيوخ و تلاميذ الراوي المترجم وأن الإحاطة بهذا الباب متعذرة، وهذا أعظم ما في الكتاب، فمن العجب أن يستنكر عليه، ولا يخفى على كل مشتغل بالحديث ضرورة هذا الأمر إذ بغيره يتعذر تعيين كثير من رواة الأسانيد كما أنه مفيدا سلفا في معرفة اتصال الأسانيد، بل الكثير من أهل العلم كانوا يودون لو توسع المزي أكثر من هذا، وما قام به المزي يعد عملا رائعا يعجز عن القيام به الجمهرة من أهل العلم، ولا يقدر عليه الآن سوى جهاز الحاسب الألي (الكمبيوتر) فجزاه الله خيرا وأجزل له الثواب.
هذه أهم المآخذ التي أخذها المصنف على كتاب المزي وهي كما ترى لا تصلح أن تكون مآخذا.
أما باقي المآخذ، والتي تعرض لها المصنف في مقدمة كتابه
PageV0MP036
كزعمه أن المزي لم يكن دقيقا في بعض نقوله عن العلماء ونحو ذلك، فهذا لا يسلم منه كتاب ولم ينج منه عالم حتى المصنف نفسه وقد نبهنا على الكثير من أوهام المصنف، فانظره في الفصل الآتي إن شاء الله تعالى. PageV0MP037
منهج المصنف في كتابه يتلخص منهج المصنف في كتابه في الخطوات الآتية:
(1) يذكر عنوان الترجمة كنص الحافظ المزي ثم يتوجه عليه بما يراه من تعقبات أو زيادات يراها هامة.
وكثير من هذا لا يسلم فيه للمصنف إلا ما ذكره في باب الأنساب فقيه فوائد جمعة.
وقد اعتنى كثيرا بضبط الأسماء وذكر الكنى وإن تعددت، وكذا استفاض في تحرير النسب وقد حرص المصنف على التدليل على كل ما يقول مع الرجوع إلى المصادر الأصلية ما أمكن.
(2) حرص المصنف على تجميع أكبر قدر ما أمكن من المادة العلمية والتي تفيد في حال الراوي جرحا أو تعديلا.
ودفعه هذا إلى النزول كثيرا إلى كتب المتأخرين واللجوء إلى من لا يعول عليه في هذا الباب كالجاحظ وغيره من أهل البدع، وكذا الاعتماد على المتساهلين كابن شاهين والحاكم والصريفيني ونحوهم.
ويأتي مزيد شرح وتوضيح عند الحديث عن أوهام المصنف في كتابه. PageV0MP038
(3) حرص المصنف على التنبيه على الرواة الذين أخرج لهم أصحاب الصحاح كابن خزيمة، وابن حبان والحاكم، وكذا ابن الجارود في كتابه (المنتقى)، والضياء في كتابه (المختارة) إشارة منه إلى أن هذا التخريج فيه نوع توثيق من أصحاب هذه الكتب للراوي المترجم.
(4) حرص المصنف في تراجم الصحابة على ذكر كل من أخرج له من أصحاب الكتب كالإمام أحمد في (مسنده) والطبراني في (معاجمه) وغير ذلك خاصة إذا نفى المزي الصحبة، أو زعم أن فيها خلافا ظنا منه أن هذا مما يفيد إثبات الصحبة ويرفع الخلاف.
(5) اهتم المصنف باستدراك الرواة الذين فات المزي ذكرهم من خلال الكتب الستة، ولم يتحصل للمصنف من هذا شيئا ذا بال كما يأتي بيانه.
كما حرص المصنف على ذكر الرواة الذين قد يشكلوا مع الراوي المترجم كنوع من التمييز ودفع الإشكال.
هذه مجمل عناصر المنهج الذي قام عليه عمل المصنف في كتابه وهي لا تخلو من الإشكالات وعليه فيها اعتراضات رأينا من الأهمية أن نفرد لها فصلا مستقلا. PageV0MP039
ما يؤخذ على المصنف في كتابه هذا وقبل أن نبدأ في الشرح والبيان نحب أن نؤكد أنه لولا إسراع البعض إلى اعتقاد خطأ المخطئين والاغترار بالأقوال الساقطة عند العلماء رأينا أنه من الأهمية الكشف عما في أقوال المصنف من الانحراف، ورد مقالته بقدر ما يليق بها من الرد، لما في هذا من المنفعة إن شاء الله أولى هذه المآخذ: خروجه عن حد الأدب الواجب مع شيخه الذي نهل من علمه وتخرج به، وصلت إلى حد التطاول فرماه بالجهل كما في ترجمة ثابت بن أبي صفية.
وأنه لم يكن يعرف الاستفادة من بعض الكتب كما في ترجمة زيد بن وهب الجهني، واتهامه إياه بحب التقليد وأنه يركن إلى الراحة وغير ذلك من التطاولات وهي أشنع ما في الكتاب والتي أن دلت على شئ إنما تدل على مدى حقد وحنق المصنف على شيخه،.
لقد تبوأ الحافظ المزي - رحمه الله - مرتبة عالية بين أقرانه وذلك لسبق علمه وتدينه وتميزه بين أهل عصره ولذا أمه طلبة العلم من كل حدب وصوب حتى قال الحافظ الذهبي رحمه الله (الدرر الكافية: 5 / 234): و (غالب المحدثين من دمشق وغيرها قد تتلمذوا له، واستفادوا منه، وسألوه عن PageV0MP040
المعضلات، فاعترفوا بفضيلته، وعلو ذكره).
ولعل هذا مما دفع المصنف إلى حسده وإطلاق لسانه فيه لما لم ينل مرتبته.
ولقد أضر المصنف نفسه بكلامه في شيخه، مما دفع الكتبة من أهل العلم إلى غمزه والطعن عليه، وصرفهم عن الاستفادة من علمه فالله يسامحه ويعفو عنه.
ثانيا: يؤخذ على المصنف اعتماده في إثبات الصحبة على كثير من المتأخرين أمثال الباوردي وأبي نعيم، وابن منده، والبغوي وغيرهم، وهؤلاء إنما غالب عملهم جمع كل من ذكر بنوع صحبة بغض النظر عن سلامة الأسانيد، أو من له إدراك كما نبه عليه الحافظ ابن حجر في كتابه التهذيب (1 / 139 - 342).
ثالثا: كثرة أوهام المصنف في النقل، وعدم تحرير ما ينقل انظر ترجمة الحارث بن شبيل، وحجر بن حجر الكلاعي والحارث بن حسان، وإسماعيل بن أبي كريمة. وغير ذلك كثير.
رابعا: كثرة مجازفاته ومسارعته إلى نفي ما يحكيه المزي عن أهل العلم وهو في هذا مخطئ. انظر على سبيل المثال ترجمة بكير بن أبي السميط، وثابت بن عجلان، وصخر بن جويرية وكثير غيره.
خامسا: اتهامه لمزي بالتقليد والركون إليه مع دعواه إلى هذا.
انظر ترجمة: صالح بن عامر وغيره. PageV0MP041
سادسا: تتبعه للنسخ السقيمة ويعرض بما فيها دفع الحافظ ابن حجر للإنكار عليه وتوبيخه. انظر ترجمة: عتبة بن تميم، وعرفجة بن أسعد وغير ذلك.
سابعا: التشغيب على المزي عند حكاية أقوال أهل العلم بنزول وهو يفعله. انظر ترجمة صالح بن عمر الواسطي.
هذا ما تيسر لنا كتابته مما يؤخذ على المصنف وغيره كثير مبثوث في حواشي الكتاب.
ونحب أن نؤكد أن تعقب أمثالنا على مثل عالم بحجم العلامة مغلطاي مما لا يضره، ولا يذهب بقيمة كتابه كما هو معلوم وكلامنا لا يخرج عن كونه نصيحة لطالب العلم وتحذيرا له من الإنزلاق خلف سقطات العلماء واعتقاد خطأهم.
وبالله التوفيق وهو حسبنا ونعم الوكيل PageV0MP042
خطوات العمل في تحقيق الكتاب لقد كان عملنا في هذا الكتاب على النحو التالي:
(1) نسخ الكتاب من أصوله الخطية:
وإعادة مقابلة ما تم نسخه من هذه الأصول، وإثبات فوارق النسخ ومواضع الاختلاف، في الأعم الأغلب وما أهملناه قليل في جنب ما أثبتناه وليس من الأهمية بمكان.
(2) توثيق نص الكتاب وضبطه، وتصحيحه:
وذلك بالرجوع إلى المصادر التي ينقل عنها المصنف أو يعزو إليها.
وهذا كان في الأعم الأغلب حيث إن المصنف واسع النقل جدا وأحيانا ينقل من مصادر هي الآن في حيز المفقود. وكذا الرجوع إلى المصادر التي تعني بالنقل عن كتاب المصنف خاصة كتاب ابن حجر (تهذيب التهذيب).
هذا مع الأخذ في الاعتبار أننا نحافظ على النص كما هو مثبت في الأصل، ولا نتدخل بالحذف أو الإضافة أو التغيير مطلقا، ولكن نثبت ما وقع من اختلافات بين الأصل ومصادر التوثيق في الحاشية، وإذا اضطررنا إلى إجراء أي تعديل على PageV0MP043
النص تمليه الضرورة العلمية (1) حينئذ لا نهمل التوضيح ولفت الأنظار إليه.
(3) التعليق على النص: لا شك أن التعليق على كل جزئية من جزئيات النص أمر لا يمكن أن يتسنى لنا نظرا لكثرة هذه المواضع، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أن المصنف واسع النقل جدا قليل التحرير والتدقيق، وهذا ألقى علينا عبئا ثقيلا مما جعلنا نضاعف من مجهوداتنا التي بددتها كثرة العوائق والشواغل، وفي كل الأحوال فإن حصر هذه المواضع أمر متعذر لقلة الوقت وضعف البضاعة وعدم الرغبة في إثقال حواشي الكتاب، ومع هذا فقد حاولنا قدر الطاقة ألا نترك موضعا نرى أنه من الضرورة التعليق عليه إلا وقمنا بذلك.
(4) عمل فهارس علمية للكتاب: كان من المقرر أن يتم عمل فهارس علمية تمكن الباحث من الوصول إلى الفائدة بيسر
PageV0MP044
وسهولة، وخاصة أن الكتاب يحوي كم لا بأس به من الفوائد العلمية والنقولات النادرة، وكذا صناعة معجم للمؤلفين الذين ينقل عنهم المصنف ومعجم بمؤلفاتهم سواء المخطوط منها أو المطبوع والإرشاد إلى مواضعها حسب الطاقة، إلا أنه نظرا لضيق الوقت نأمل أن ييسر الله تبارك وتعالى في المستقبل القريب إصدار هذه المعاجم والفهارس التي تعتبر إضافة هامة للكتاب، تيسر على القارئ الاستفادة من هذا المرجع الهام.
(5) لقد كان من المقرر أن يشاطرني الأخ الفاضل / أسامة إبراهيم - حفظه الله - العمل في الكتاب بحيث أتولى التعليق على نصف المادة العلمية للكتاب ويتولى هو النصف الآخر، ثم أهوم بمراجعة عمله ، إلا أن ظروف ضيق الوقت وانشغالي حالت دون تحقيق هذا الاتفاق، فاقتصر عملي على التعليق في الأجزاء الخمسة الأول وهو يمثل الأحرف ابتداء من الألف حتى بدايات حرف السين ترجمة: سعيد بن جمهان.
وقام هو بالتعليق على ما تبقى من المادة العلمية دون أدنى مشاركة مني وبالله التوفيق. PageV0MP045
توثيق نسبة الكتاب إلى المصنف إن نسبة كتاب (الإكمال) إلى العلامة مغلطاي أشهر من نار على علم فقد ذكره ضمن مؤلفاته كل من ترجم له من الحفاظ، ومنهم:
* ابن رجب الحنبلي: كما في (الدرر الكامنة) (5 / 123).
* السبكي في: (طبقات الشافعية) (10 / 408).
* ابن فهد في: (لحظ الألحاظ) (ص: 139).
* ابن حجر في: (لسان الميزان) (7 / 197)، (الدرر الكامنة) (5 / 123)، ومقدمة تهذيب التهذيب) (1 / 8) الذي أكثر فيه من النقل عنه.
ومما يثبت - أيضا - صحة نسبة الكتاب، إلى مؤلفه أن النسخة الأزهرية - ويأتي وصفها - كتبها بخطه المعروف وهو نفس الخط الذي كتب به كتبه ككتاب (الإبانة عن المختلف من الصحابة)، وإحدى نسخ كتاب (الإعلام) في شرح سنن ابن ماجة. PageV0MP046
النسخ الخطية التي اعتمدنا عليها في تحقيق الكتاب اعتمدنا في علمنا على نسختين خطيتين، كل منهما تكمل الآخر:
النسخة الأولى: وهي صورة عن الأصل المحفوظة بدار المكتبة الأزهرية بالقاهرة تحت رقم (15) وهي بخط المؤلف - كما سبق الإشارة إليه - اعتمدنا صورة منها عن طريق معهد المخطوطات العربية، والموجود منها:
(1) المجلد الأول: ويقع في 153 ورقة في عشرة أجزاء بتجزئة المصنف والورقة ذات وجهين كل وجه مكون من اثنين وعشرين سطرا تقريب.
ويبدأ بمقدمة المؤلفة، ثم تراجم حرف الألف ترجمة أحمد ابن إبراهيم الموصلي، وينتهي بترجمة أيوب رجل من أهل الشام.
(2) المجلد الثاني: ويقع أيضا في 153 ورقة بنفس الوصف السابق.
ويشتمل على عشرة أجزاء تبدأ من الجزء الحادي عشر وينتهي بنهاية الجزء العشرين ويبدأ بتراجم حرف الباء، وينتهي في أثناء ترجمة الحسن البصري. PageV0MP047
وعلى حواشي هذين كثير من التعليقات والتعقبات بعضها بخط الحافظ ابن حجر.
(3) المجلد الثالث: وهو بنفس خط سابقيه ويقع في (226) ورقة ذات وجهين وهو يبدأ من الجزء الثاني والسبعين بترجمة من اسمه عبد الرحمن بن محمد بن سلام البغدادي، وينتهى بنهاية الجزء الثامن والثمانين ترجمة عمرو بن زرارة.
وهذا الجزء من محفوظات دار الكتب المصرية.
أما الجزءان التاسع والثمانين والتسعين ويبتدءان من ترجمة عمرو بن سعيد حتى نهاية ترجمة عمرو بن مرثد ويقعان في (29) ورقة وهما من محفوظات دار الكتب المصرية أيضا.
(4) المجلد الرابع: من نفس النسخة يقع في قرابة (260) ورقة من ذات وجهين يبدأ من الجزء الثاني بعد الماءة ترجمة محمد بن عبد الملك بن زنجويه، وينتهى بترجمة يحيى بن يمان العجلي نهاية الجزء التاسع عشر بعد المائة.
وقد رمزنا لهذه النسخة بالرمز (ه) وعليها كان اعتمدنا مع ما فيها من نقص لأنها مسودة المصنف ومع جودة النسخة إلا أن هناك كثير من المواضع أثرت فيها الرطوبة والأرضة بشكل واضح مما أذهب ببعض الكلمات.
النسخة الثانية: وهي المحفوظة بمكتبة قلج على باستنبول وعدد أوراقها قرابة (142) ورقة ذات وجهين قام على نسخها - كما على PageV0MP048
الوجه الثاني للورقة الأولى - عبد الرب أبي الفضل بن الشحنة الحنفي وكتب على الوجه الثاني من الورقة الأولى:
صورة خط مؤلفة الحافظ مغلطاي الحنفي بظاهر أصله الجزء الأول من كتاب تهذيب الكمال في أسماء الرجال.
وكتبه بخطه أيضا:
حبرت ذا الإكمال من كتب * غدت مشهورة كمذاهب النعمان عجز الورى عن نيلها وأنالنيها * ذو العلى والطول والإحسان في مدة قصرت كحلبك ناقة * أو قسمها بوجازة وبيان زعم الجهول بأن سيدرك شأوه * قد حيل بين الغير والنزوان أيروم شيئا قصرت أشياخه * عن بعضه والبيت ذي الأركان وكتبا تحته م نصه: بقلبه كما شاهده عبد الرب أبي الفضل بن الشحنة الحنفي غفر الله له ولمن دعا له بالمغفرة ولمن كتبه انتهى.
والنسخة مليئة بالسقط والتحريف بما يقطع أن ناسخها لم يكن من أهل هذا العلم.
المجلد الأول منها: اشتمل على مقدمة الكتاب، وينتهي بترجمة داود بن سليمان العسكري ويشتمل على الأجزاء الاثنين والثلاثين الأولى من الكتاب حسب تجزئة المصنف وللأسف فإن هذا الجزء يتخلله سقط في موضعين:
الموضع الأول: من تراجمه أثناء ترجمة حماد بن سلمة إلى ترجمة خالد الحذاء. PageV0MP049
الموضع الثاني: من ترجمة الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة إلى ترجمة الحكم بن الصلت.
أما المجلد الثاني: فيبدأ بترجمة داود بن شابور، وينتهى بترجمة عبد الله بن مغفل.
وهي الأجزاء من الجزء الثالث والثلاثين حتى الجزء الخامس والستين وعدد أوراقها (331) ورقة.
نسخة أخرى: من محفوظات دار الكتب المصرية تحت رقم (15) مصطلح.
وهي بخط المصنف، إلا أنه كتب عليها أنها لابن المللقن وهذا خطأ بل الصواب أنها جزء من كتاب (الاكتفاء بتنقيح كتاب الضعفاء) وهو للمصنف - أيضا - يكثر الإحالة عليه في كتابه محل التحقيق.
إلا أن آخرها يمثل (الجزءان 89، 90) من كتاب (الإكمال) وقد سبق الإشارة إليهما.
هذا ما تيسر لنا الوقف عليه من مخطوطات الكتاب، أما باقي الكتاب فهو في عداد المفقود بالنسبة لنا، ونسأل الله أن يوفقنا للعثور عليه لما فيه من علم ونفع كبير.
كما نهيب بالباحثين والمعنيين بأمر المخطوطات إفادتنا مشكورين بما لديهم من هذا السفر العظيم، وفقنا الله وإياهم إلى ما فيه خير الاسلام والمسلمين.
والحمد لله رب العالمين PageV0MP050
نماذج من صور النسخ الخطية PageV0MP051
غلافه المجلد الأول من النسخة الأولى PageV0MP053
الورقة الأولى من المجلد الأول من النسخة الأولى PageV0MP054
الورقة الأخيرة من المجلد الأول من النسخة الأولى PageV0MP055
الورقة الأولى من المجلد الثاني من النسخة الأولى PageV0MP056
الورقة الأخيرة من المجلد الثاني من النسخة الأولى PageV0MP057
الورقة الأولى من المجلد الثالث من النسخة الأولى PageV0MP058
مثال لرداءة التصوير وكثرة اللحق في هذا المجلد PageV0MP059
الورقة الأخيرة من المجلد الثالث من النسخة الأولى PageV0MP060
الورقة الأولى من المجلد الرابع من النسخة الأولى PageV0MP061
مثال لرداءة التصوير وكثرة اللحق في هذا المجلد PageV0MP062
الورقة الأخيرة من المجلد الرابع من النسخة الأولى PageV0MP063
ورقة الغلاف من المجلد الأول من النسخة الثانية PageV0MP064
الورقة الأولى من المجلد الأول من النسخة الثانية PageV0MP065
الورقة الأخيرة من المجلد الأول من النسخة الثانية PageV0MP066
الورقة الأولى من المجلد الثاني من النسخة الثانية PageV0MP067
الورقة الأخيرة من المجلد الأول من النسخة الثانية PageV0MP068
إكمال تهذيب الكمال في أسماء الرجال تأليف العلامة علاء الدين مغلطاي ابن قليج بن عبد الله البكچري الحنفي (698: 762 ه) الناشر الفاروق الحديثة للطباعة والنشر
Bogga 1