وقال: ﴿تلك آيات الكتاب الحكيم﴾ على أحد القولين. وهنالك جعل الآيات قسمين: محكما ومتشابها كما قال: ﴿منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات﴾ . وهذه المتشابهات مما أنزله الرحمن لا مما ألقاه الشيطان ونسخه الله.
فصار المحكم في القرآن تارة يقابل بالمتشابه والجميع من آيات الله وتارة يقابل بما نسخه الله مما ألقاه الشيطان. ومن الناس من يجعله مقابلا لما نسخه الله مطلقا حتى يقول: هذه الآية محكمة ليست منسوخة ويجعل المنسوخ ليس محكما وإن كان الله أنزله أولا اتباعا لظاهر قوله: ﴿فينسخ الله﴾ و﴿يحكم الله آياته﴾ . فهذه ثلاث معان تقابل المحكم ينبغي التفطن لها. وجماع ذلك أن " الإحكام " تارة يكون في التنزيل فيكون في مقابلته ما يلقيه الشيطان فالمحكم المنزل من عند الله أحكمه الله أي فصله من الاشتباه بغيره وفصل منه ما ليس منه؛ فإن الإحكام هو الفصل والتمييز والفرق والتحديد الذي به يتحقق الشيء ويحصل إتقانه؛ ولهذا دخل فيه معنى المنع كما دخل في الحد فالمنع جزء معناه لا جميع معناه. وتارة يكون " الإحكام " في إبقاء التنزيل عند من قابله بالنسخ الذي هو رفع ما شرع وهو اصطلاحي أو يقال - وهو أشبه بقول السلف - كانوا يسمون كل رفع نسخا سواء كان رفع حكم أو رفع دلالة ظاهرة.
وإلقاء الشيطان في أمنيته قد يكون في نفس لفظ المبلغ وقد يكون في سمع المبلغ وقد يكون
1 / 11