قلنا: لكل زمان رجال، فأنت ثوري زماننا وابن عيينتنا فقل كما قالوا ونحن راضون منك أن تقول ومعقول أن نقول لك من أين قلت.
وكل من ادعى شيئًا أو انتحل نحلة فهو يزعم أن الحق فيما ادعى وفيما انتحل خلا الواقف الشاك فإنه يقر على نفسه بالخطأ، لأنه يعلم أن الحق في أحد الأمرين اللذين وقف بينهما، وأنه ليس على واحد منهما، وقد بلي بالفريقين المستبصر المسترشد وبإعناتهم ومحنتهم وإغلاظهم لمن خالفهم وإكفاره وإكفار من شك في كفره، فإنه ربما ورد الشيخ المصر فقعد للحديث وهو من الأدب غفل، ومن التمييز ليس له من معاني العلم إلا تقادم سنه، وأنه قد سمع ابن عيينة وأبا معاوية ويزيد بن هارون، وأشباههم فيبدأونه قبل الكتاب بالمحنة، فالويل له إن تلعثم أو تمكث أو سعل أو تنحنح قبل أن يعطيهم ما يريدون فيحمله الخوف في قدحهم فيه، وإسقاطهم له على أن يعطيهم الرضا فيتكلم بغير علم ويقول بغير فهم فيتباعد من الله في المجلس الذي أمل أن يتقرب منه فيه. وإن كان ممن يعقد على مخالفتهم سام نفسه إظهار ما يحبون ليكتبوا عنه.
وإن رأوا حدثًا مسترشدًا أو كهلًا متعلمًا سألوه فإن قال لهم: أنا أطلب حقيقة هذا الأمر، وأسأل عنه ولم يصح لي شيء بعد، وإنما صدقهم عن نفسه، واعتذر بعذره، الله يعلم صدقه، وهم يعلمون أنه لم يكلفه إذا لم يعلم إلا أن يسأل ويبحث ليعلم، كذبوه وآذوه وقالوا: خبيث فاهجروه ولا تقاعدوه.
أفترى لو كان ما هم عليه من اعتقادهم هذا الأمر، أصل التوحيد الذي لا يجوز للناس أن يجهلوه وقد سمعوه من رسول الله ﷺ مشافهة كان يجب أن يبلغ فيه هذه الغاية فكيف وهم لو سئلوا من أين قلتم ما رجعوا في ذلك إلى وثيقة من حديث يأثرونه أو قول إمام من العلماء يحسن تقليد مثله أو قياس يطردونه وإنما هو رأي رأوه وقد يخطئ الرأي، وظن ظنوه وأجهل الناس من جعل ظنه لله دينًا.
1 / 62