ذكر بعض ما سنة لقومه المطيعين له. دعا إلى دين الله والقول بالتوحيد وعبادة الخالق وتخليص النفوس من العذاب في الآخرة بالعمل الصالح في الدنيا وحض على الزهد في الدنيا والعمل بالعدل وأمرهم بصلوات ذكرها لهم على صفات بينها وأمرهم بصيام أيام معروفة من كل شهر وحثهم على الجهاد لأعداء دينهم وأمرهم بزكاة الأموال معونة للضعفاء بها وغلظ عليهم في الطهارة من الجناية وحرم عليهم لحم الحمار والكلب وحرم السكر من كل شيء من المشروبات وشدد فيه أعظم التشديد وجعل لهم أعيادا كثيرة في أوقات معروفة وقربانات منها لدخول الشمس رؤوس البروج ومنها لرؤية الهلال وكلما صارت الكواكب في بيوتها وشرفها وناظرت كواكب أخر. ذكر ما أمر به من القرابين.. أمر بتقريب ثلاثة أشياء البخور والذبائح والخمر وتقريب كل باكورة فمن الرياحين الورد ومن الحبوب الحنطة ومن الفواكه العنب ووعد أهل ملته بأنبياء يأتون من بعده عدة وعرفهم صفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال يكون بريا من المذمات والآفات كلما كامل في الفضائل الممدوحات لا يقصر عن مسألة يسأل عنها مما في الأرض والسماء ومما فيه دواء وشفاء من كل ألم وأن يكون مستجاب الدعوة في كل ما يطلبه وأن يكون مذهبه ودعوته المذهب الذي يصلح به العالم ولما ملك إدريس الأرض رقب الناس ثلاث طبقات كهنة وملوكا ورعية وجعل مرتبة الكاهن فوق مرتبة الملك لأن الكاهن يسأل الله في نفسه وفي الملك وفي الرعية وليس للملك أن يسأل الله إلا في نفسه وفي ملكه وفي العرية وما له أن يسأله في الكاهن أقرب إلى الله منه فقد نقصت منزلة الملك بهذا عن منزلة الكاهن وليس للرعية أن تسأل الله في شيء إلا في نفسها لأن الملك أجل منزلة عنها عند الله الذي ملكه على الرعية فنقصوا بذلك مرتبة عن الملك ومرتبتين عن الكاهن فلز يزالوا على هذه القاعدة من الفعل في العبادة وآداب الأثمار بهذه الشريعة إلى أن رفع الله إدريس إليه وخلفه أصحابه على شريعته وكان أقوى الملوك عزما من الأربعة اسقلبيوس فإنه اجتهد لحفظ الكلمة وقوانين الشريعة الإدريسية وحزن لرفه إدريس من بين أظهرهم وصورته في الهياكل وصورة رفعه وكان اسقلبيوس ملكا في الجهة التي ملكها يونان بعد الطوفان فوجدوا صورة أدريس ورفعه وعلموا علو قدر إسقلبيوس وتدوينه الحكم لهم في الهياكل التي لم يفسدها الطوفان فظنوا أن إسقلبيوس هو الذي ارتفع إلى السماء وغلطوا في ذلك غلطا بينا لأنهم أخذوه بالحدس وسيأتي بعض ذلك في أخبار إسقلبيوس إن شاء الله تعالى وشريعته يعني إدريس هي الممكة الحقيقية وتعرف في ملة الصابئين بالقيمة وطبقة المعمور من الأرض وكانت قبلته إلى حقيقة الجنوب على خط نصف النهار. صورة هرمس الهرامسة وهو إدريس قيل أنه كان عليه السلام رجل آدم تام القامة أجلح حسن الوجه كث اللحية مليح الشمائل والتخاطيط تام الباع عريض المنكبين ضخم العظام قليل اللحم براق العينين أكحلهما متأنيا في كلامه كثير الصمت ساكن الأعضاء إذا مشي أكثر نظره إلى الأرض كثير الفكرة به عبسة وإذا اغتلظ احتد يحرك سبابته إذا تكلم وكانت مدو مقامه في الأرض اثنين وثمانين سنة وكان على فص خاتمه الصبر مع الإيمان بالله يورث الظفر وعلى المنطقة التي يلبسها في الأعياد حفظ الفروض والشريعة من تمام الدين وتمام الدين كمال المروءة وعلى المنطقة التي يلبسها وقت الصلاة على الميت السعيد من نظر لنفسه وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة وكانت له مواعظ وآداب استخرجها كل فرقة بلسانها تجري مجرى الأمثال والرموز فاذكر بعضه إن شاء الله تعالى فمن ذلك. قوله لن يستطيع أحد أن ينكر الله على نعمه بمثل الأنعام على خلقه. وقال من أراد بلوغ العلم وصالح العمل فليترك من يده أداة الجهل وسيئ العمل كما ترى الصانع الذي يعرف الصنائع كلها إذا أراد الخياطة أخذ ألئها وترك النجارة فحب الدنيا وحب الآخرة لا يجتمعان في قلب أبدا. وقال خير الدنيا حسرة وشرها ندم. وقال إذا دعوتم الله سبحانه وتعالي فأخلصوا النية وكذا الصيام والصلاة فافعلوا. وقال لا تحلفوا كاذبين ولا تهجعوا على الله سبحانه وتعالى باليمين ولا خلفوا الكاذبين فتشاركوهم في الإثم. وقال تجنبوا المكاسب الدنيئة. وقال أطيعوا واخضعوا لأكابركم واملؤوا أفواهكم بحمد الله. وقال حياة النفس في الحكمة. وقال اجتنبوا مصاحبة الأشرار. وقال لا تحسدوا الناس على مواتاة الخط فإن استمتاعهم به قليل. وقال من تجاوز الكفاف لم يغنه شيء. قال سليمان بن حسان المعروف بابن جلجل الهرامسة ثلاثة أولهم هرمس الذي كان قبل الطوفان ومعني هرمس لقي كما يقال قيصر وكسرى وتسميه الفرس في سيرها ابهجل وتذكر الفرس إن وجد جيومرت وتسميه العبرانيون خنوخ وهو عندهم إدريس أيضا قال أبو معشر وهو أول من تحكم في الأشياء العلوية من الحركات النجومية وهو أول من بنى الهياكل ومجد الله فيها وهو أول من نظر في الطب وتكلم فيه وألف لأهل زمانه قصائد موزونة وأشعارا معلومة في الأشياء الأرضية والعلوية وهو أول من أنذر بالطوفان وذلك أنه رأى أن آفة سماوية تلحق الأرض من الماء والنار وكان مسكنه صعيد مصر تخير ذلك فبنى هياكل الأهرام ومدائن البرابي وخاف ذهاب العلم بالطوفان فبنى البرابي وصور فيها جميع الصناعات وصانعيها نقشا وصور جميع آلات الصناع وأشار إلى صفات العلوم برسوم لمن بعده خشية أن يذهب رسم تلك العلوم وثبت في الأثر المروي عن السلف أن إدريس أول من درس الكتب ونظر في العلوم وأنزل الله عليه ثلاثين صحيفة وهو أول من خاط الثياب ولبسها ورفعه الله إليه مكانا عليا وحكى عنه أبو معشر حكايات شنيعة أتيت بأخفها وأقربها لتقضي كلام ابن جلجل. أمون الملك الحكيم هذا لقب له واسمه الحقيقي بسيلوخس وهو أحد الملوك الأربعة الذين أخذوا الحكمة عن هرمس الأول وكان هرمس قد ولاه ربع الأرض وكان أمون هذا معدودا في الحكماء إلا أنه لم يخرج من كلامه شيء إلى العربية ولما ولاه رمس الملك أوصاه بوصايا خرج بعضها وترجم أنه قال فمنه أنه قال أول ما أوصيك به تقوى الله عز وجل وإيثار طاعته ومن توليه أمور الناس فيجب عليه أن يكون ذاكرا ثلاثة أشياء أولها أن يده تكون على قوم كثير والثاني أن الذين يده مطلقة عليهم أحرار لا عبيد والثالث أن سلطانه لا يلبث وقال له وإياك وأن تهمل الحرب والجهاد لمن لا يؤمن بالله جل اسمه ولا يتبع سنتي وشريعتي وأعلم أن الرعية تسكن إلى من أحسن إليها وتنفر عمن أساء والسلطان برعيته فإذا نفروا عنه كان سلطان نفسه. أصلح آخرتك تصلح لك دنياك. اكتم السر واستيقظ في الأمور وجد في الطلب وإذا هممت فافعل. وعليك بحفظ أهل الكيميا العظمى وهم الفلاحون فإن الجند بهم يكثرون وبيوت الأموال تعمر. وأكرم أهل العلك وقدمهم لئلا تجهل الرعية حقهم من طلب العلم أكرم ليصفو ذهنه. من قدح في الملك اضرب عنقه وشهره ليحذر سواه فإن الملك إذا فسد فسدت الرعية. ومن سرق اقطع يده. ومن قطع الطريق اضرب عنقه. ومن وجدته ذكر مثله فحرقه بالنار. ومن وجدته مظلوما فخذ بيده. تعهد أمر المحبوسين في كل شهر تأمن سجن المظلوم. شاور من علمته عاقلا تأمن خلل الانفراد. لا تعاجل صغار الذنوب بالعقوبة واجعل بينهما للاعتذار طريقا ثم قال له عند انفصاله عنه سبيل الملك أن يبتدئ بسلطانه على نفسه ليستقيم له سلطانه على غيره. إسقلبيوس الحكيم وربما قيل إسقلابيوس وربما قيل اسقلبياذس. وهذا هو أحد الملوك الأربعة الذين صحبوا هرمس وأخذوا عنه الحكمة وكان هذا أكثرهم أخذا لها وأشهرهم بذكرها وولاه هرمس ربع الأرض المعمورة يومئذ وهذا الربع هو الذي ملكته اليونانيون بعد الطوفان وكان هرمس لما رفعه الله إليه وبلغ إسقلبيوس هذا من أمره حزن لذلك حزنا شديدا تأسفا على ما فات أهل الأرض من بركته وعلمه وصر صورته في هيكل عبادته وكانت الصورة على غاية ما يمكن من إظهار أهبة الوقار عليها والعظمة في هيأتها ثم صوره مرتفعا إلى السماء وكان إذا دخل الهيكل جلس بين يدي الصورة معظما لها كحالته في حالة الوجود ولم يزل على ذلك إلى أن مات وقد قيل أن هذا سبب عبادة الأصنام فإن صاب بن إدريس وقيل ابن ملك عظم الأصنام وجعلها آلهة لتعظيم إسثقلبيوس لهذه الصورة التي وجدت في هيكله ولما استولى اليونانيون بعد الطوفان على الأرض التي بها إسقلبيوس ملكا ورأوا الهيكل والصورة في حالة جلوسها على كرسيها وحالة ارتفاعها إلى السماء ظنوا أنها صورة اسقلبيوس وبعد عليهم حديث هرمس فعظموا إسقلبيوس وظنوه أول من تكلم في الحكمة على الإطلاق ونسبوا أنه أول من تكلم بها في أرضهم لا غير حتى قال جالينوس في ذكره أنه لم يكن بحث المتقدمين من يونان عن إسقلبيوس بحثا يسيرا ولقد أقسمت به يونان على متعلميهم مقترنا بالقسامة بالله تعظيما له قال بقراط في عهوده أقسم عليكم معاشر الأولاد بخالق الموت والحياة وبأبي وأبيكم إسقلبيوس هكذا رأيته في تراجم كتاب العهود قال جالينوس في تفسيره لهذا الكتاب الذي يتناهى إلينا من قصة إسقلبيوس قولان أحدهما لغز والآخر طبيعي أما اللغز فيذهب فيه إلى أنه قوة الله تبارك واشتق وتعالى واشتق لهذا الاسم من فعلها وهو منع اليبس وذكر ابن جلجل أن إسقلبيوس هذا تلميذ لهرمس المصري وكان مسكنه أرض الشام وذكر جالينوس في كتابه الذي ألفه في الحث على الطب أن الله أوحى إلي اسقلبياذس لأن اسميك ملكا أقرب من أن أسميك إنسانا وكر بقراط في كتاب إيمانه وعهده أن هذا الاسم أعني إسقلبياذس في لسان اليونانيين مشتق من البهاء والنور والطب صناعة إسقلبيوس وأنه لا يجب تعاطيها إلا لمن كان على سيرة إسقلبيوس من الطهارة العفاف والتقى وأنه لا بجل أن يعلم الشرار ولا ذوي الأنفس الخبيثة وإنما يجب أن يتعلمها الأشراف والمتألهون أعني العارفين بالله عز وجل وذكر بقراط في هذا الكتاب أنه ارتفع إلى الهواء في عمود من نور وذكر جالينوس في مقالته الأولى إلى اغلوقن الفيلسوف فقال لو كنت أقدر أن أكون مثل إسقلبيوس وقال جالينوس أيضا في صدر كتاب حيلة البرء مما يجب أن يحقق الطب عند العامة ما يرونه من الطب الإلهي في هيكل إسقلبيوس على ما حكاه هروسيس صاحب القصص أن بيتا كان في مدينة رومية كانت فيه صورة تكلمهم ويسألونها وكان المستنبط لها في القديم إسقلبيوس وزعم مجوس رومية أن تلك الصورة كانت منصوبة على حركات نجومية وأنه كان فيها روحانية كوكب من الكواكب السبعة وكان دين أهل رومية قبل النصرانية عبادة النجوم هكذا حكاه هروسيس.
Bogga 6