مقدمة المحقّق إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله، أما بعد: فإن "سنن أبي داود" "من الكتب المشهورات النافعات المباركات، المنتشرات الشائعات؛ لأنه كتاب نفيس مفيد، صنّفه إمامٌ معتمد جليل" (^١)، فينبغي لمريد الفقه مع دليله، أن يعتني بتقريبه وتحريره وشرحه، وقد قام بذلك جمع كبير من الأئمة الأعلام، فلهم عليه جهود مشكورة، وأعمال مبرورة، ومما كنتُ أتأسّف عليه عند النظر في جهود العلماء المبذولة فيه: ضياع بعض الشروح، وكنت أحسب -فترة من الزمن- أن شرح الإمام النووي لقطعة منه -وهي كراريس (^٢) - مفقودة! وإذ بي أفز لها على أثر، وأعثر بها على خبر عند نظري في "الفهرس الشامل للتراث العربي الإسلامي المخطوط" (قسم الحديث النبوي الشريف وعلومه ورجاله) (١/ ٩٩٢) رقم (٤٣٤) ففيه: "شرح سنن أبي داود -النووي _________ (^١) من مقدمة "تحرير ألفاظ التنبيه" (٢٧) للنووي. (^٢) سيأتي مقدارها لاحقًا، والله الهادي.

1 / 5

١ - حكيم أوغلي علي باشا ١٤ [٢٠٠] ". والمكتبة المذكررة في تركيا، وفي اليوم نفسه يمرُّ بي بعض المحبّين، ممن لا أعرفه سابقًا، ويخبرني أنه زائر للأردن، وهو في طريقه لزيارة بعض أقاربه في تركيا، ويقول ببشاشة وحماسة: هل لك غرض من هناك؟ فتردّدتُ وحاولتُ أن أخفي مطلبي، ولكن غلبتني لوعتي وشدة محبتي لتراث علمائنا، ونتاجهم، ولا سيما مثل هذا الكتاب، فهو للنووي أولًا، وشرح على "سنن أبي داود" ثانيًا، وعندي أن خير كتاب له -لو تم- هو هذا؛ لأنه في دائرة حذقه وانشغاله والغالب عليه من العلوم، فقُلتُ بجرأةٍ -أحتسب فيها الأجر والثواب، والإفادة والاحتساب-: نعم، لكن بشرط لا بد منه، وهو دفع ما تبذله في التصوير والإرسال، وودّعت ضيفي، مع قصور -كعادتي، غفر الله لي- في الإكرام، بسبب الانشغال بالبحث والمراجعة. ونسيت الخبر، وتمضي الأسابيع، وإذ جرس الهاتف يطرق بالبشارة، ويطلب عنوان المراسلة، ووصل -ولله الحمد والمنة- المتبقي من هذا "الشرح" الجليل، فأحلتُه -كالعادة- على النسخ والتدقيق، ثم تفرغت له بالتحقيق والتوثيق والتنميق، والدراسة والتعليق وبذلتُ فيه جهدًا، أحتسبه عند ربي ﷿ لوقت الشدة والضيق، وأرجو فيه الأجرين من ربي، وعليه اعتمادي، وإليه -سبحانه- تفويضي واستنادي. * صحة نسبة الكتاب للإمام النووي: للإمام النووي "شرح على سنن أبي داود" وهذا أمر لا شك فيه، فقد نسبه له جمع كبير من مترجميه، وهذه شذرات من النقول: ١ - قال علاء الدين علي بن إبراهيم بن العطار (ت ٧٢٤ هـ) - تلميذ

1 / 6

المصنِّف والملازم له- في كتابه "تحفة الطالبين في ترجمة الإمام محيي الدين" (^١) (ص ٧٠) تحت (فصل: صنف ﵀ كتبًا في الحديث والفقه تعمَّ النفع بها، وانتشر في أقطار الأرض ذكرها، منها: ...) قال (ص ٨٠): "ومنها كتب ابتدأها، ولم يتمها، عاجلته المنية ... " قال (ص ٨٢): "وقطعة يسيرة في شرح سنن أبي داود". ٢ - وقال محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت ٩٠٢ هـ) في "ترجمة شيخ الإسلام الإمام النووي" (ص ١٢ - ط دار الجماعة الإسلامية- دار العلوم): "ثم إنه اشتغل بالتصنيف والإشغال والإفادة، فصنف ... وقطعة من "شرح أبي داود"" قال: "قلت: وصل فيها إلى أثناء الوضوء، سماها "الإيجاز"" قال: "وسمعتُ أن زاهد عصره الشهاب ابن رسلان أودعها برمّتها (^٢) في "شرحه" الذي كتبه على "السنن" وبنى عليها" (^٣). ٣ - وقال في "بذل المجهود في ختم سنن أبي داود" (ص ٥٨ - ط مؤسسة الرسالة وص ٧٢ - ط أضواء السلف) عند كلامه على (شروح سنن أبي داود): "وشرع في شرحه أبو زكريا النووي، فكتب منه كراريس". ٤ - وقال جلال الدين السيوطي (ت ٩١١ هـ) في "المنهاج السوي في ترجمة الإمام النووي" (ص ٦٤) تحت (ذكر تصانيفه): "و"شرح سنن أبي داود" كتب منه يسيرًا". وقال في "شرحه على سنن أبي داود" _________ (^١) أرفقته في أول هذا الكتاب والصفحات المذكورة منه، فتنبه لذاك، تولى الله هذاك. (^٢) تحرفت في مطبوع "الترجمة"، إلى "بيومها"!! وهي على الجادة في الطبعة الأخرى من الكتاب، وهو مطبوع باسم "المنهل العذب الروي" (ص ٥٥). (^٣) انظر ما سيأتي تحت عنوان (بين شرْحَيّ النووي وابن رسلان).

1 / 7

المسمى "مرقاة الصعود" (ص ٥ - مختصره (^١) درجات) وهو يذكر الشروح التي سبقته: "وللشيخ محيي الدين النووي قطعة منه، فلم يتم". وذكره له جمع من المعاصرين، منهم: الأستاذ أحمد عبد العزيز قاسم في (أطروحته): "الإمام النووي وأثره في الحديث وعلومه" (ص ٢٣٢) وذكره تحت (الكتب المخطوطة التي لم أعثر عليها)، قال: ""الإيجاز"، قطعة من "شرح أبي داود"، وأفاد أن محمد بن أبو الحسن اللخمي (تلميذ النووي) ذكر له هذا الشرح في ترجمة مختصرة له (ق ٦/ ب) وقال: "إنه كتب منه اليسير"، وهي: -أي: ترجمة اللخمي- من محفوظات مكتبة مركز البحث العلمي بجامعة أم القرى، برقم (٥٢١) مجاميع (رقم ٢) ". وذكره أيضًا: عبد الغني الدقر في كتابه "الإمام النووي، شيخ الإسلام والمسلمين، وعمدة الفقهاء والمحدثين" (ص ١٠١ - ١٠٢)، ونقل كلام السخاوي السابق، وكذلك فعل عبد الله البراك في كتابه "الإمام أبو داود السجستاني وكتابه السنن" (٦٨) ذكره تحت (الكتب التي ألفت حول "السنن" شروحًا ومختصرات ودراسات)، قال: "وشرحه الإمام النووي ولم يتمه". وكذلك فعل الأستاذ محمد بن لطفي الصباغ في كتابه "أبو داود حياته وسننه" (ص ٩٣). وقال أيضًا: "لكنه لم يتم". ومن هذا النقول يظهر أن اسم هذا الشرح "الإيجاز"، وهو العنوان المثبت على النسخة الخطية، كما سيأتي عند الكلام على توصيفها. ... _________ (^١) المختصِر، هو: علي بن سليمان الدمنتي البُجمعويُ ﵀.

1 / 8

* نقولات العلماء من "شرح النووي على سنن أبي داود": ومن الأدلّة على صحة نسبة هذا "الشرح" للإمام النووي: النقولات الكثيرة المستفيضة عند جمع من العلماء ممن هم مختلفو الأعصار والأمصار. وهي موجودة في النسخة التي اعتمدناها في التحقيق، وهذه طائفة من هذه النقولات: *قال الحافظ زين الدين أبو الفضل عبد الرحيم بن الحسين العراقي (المتوفي ٨٠٧ هـ) في كتابه "طرح التثريب" (٥/ ٩): "الشام: بلاد معروفة وهي من العريش إلى بالس، وقيل: إلى الفرات، قاله النووي في "شرح أبي داود" (^١) ". وهذا النقل موجود في شرح حديث رقم (٩) من كتابنا هذا. * وذكره الشيخ سراج الدين أبو حفص عمر بن علي بن الملقّن (ت ٨٠٤ هـ) في كتابه "البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير" في مواطن عديدة، هي: ١ - (١/ ٣٠١ - ط دار الهجرة)، قال: "ونقل النووي ﵀ النص المتقدم عن أبي داود -الذي شارك ابن الصلاح فيه- في "كلامه على سنن أبي داود"، ثم قال: "وهذا يشكل، فإن في سننه أحاديث ظاهرة الضعف، لم يبينها مع أنها متفق على ضعفها عند المحدثين، كالمرسل، والمنقطع، ورواية مجهول، كـ "شيخ" و"رجل" ونحوه، فلا بد من تأويل هذا الكلام ... " وساق جل ما في (الفصل الأول) من (مقدمة) النووي على "الشرح". _________ (^١) بنحوها في "تحرير ألفاظ التنبيه" (١٣٨) و"تهذيب الأسماء واللغات" (٣/ ١) وتحرفت في مطبوعه (بالس) إلى (نابلس)! فلتصوب.

1 / 9

Usul - Qalabka Cilmi-baarista ee Qoraalada Islaamka

Usul.ai waxa uu u adeegaa in ka badan 8,000 qoraal oo Islaami ah oo ka socda corpus-ka OpenITI. Hadafkayagu waa inaan fududeyno akhrinta, raadinta, iyo cilmi-baarista qoraalada dhaqameed. Ku qor hoos si aad u hesho warbixinno bille ah oo ku saabsan shaqadayada.

© 2024 Hay'adda Usul.ai. Dhammaan xuquuqaha waa la ilaaliyay.