وأما على مذهب المجبرة من الأشاعرة ونحوهم فالإعانة والاستعانة بمعزل عن معناهما لغة وعقلا، والإمام الرازي قد أشار إلى هذا المعنى في المحصل، بل أول من نبه عليه في ظني سيدنا جعفر الصادق رضي الله عنه وعن آبائه الكرام وأبنائه الأعلام، وسنقف إن شاء الله تعالى في مواضع على ما يزيدك يقينا في هذا المقام، إلا أنا ننبهك على النكتة في عدم تمام معنى الإعانة والاستعانة على مذهب الأشاعرة ومن يحذو حذوهم في إثبات الكسب، وهي أن مرجعه أي الكسب عندهم إلى مجرد المحلية فقط، أي كون العبد الكاسب محلا لما يوجد الله فيه من الأفعال الاختيار به، ولا معنى بالإعانة المحل ولا لستعانته، إذ هو يرى على التحصيل أي تحصيل الفعل الحال فيه باختيار غيره، فكيف يستعين عليه، وكيف يتصور إعانته عليه هذا محال، ثم متى تكون الاستعانة إن كانت قبل الفعل لزم تقدم قدرة العبد المستعين، وإن كانت حال الفعل وبعده لزم طلب الإعانة على تحصيل الحاصل، والمعترض قد فسر الكسب تارات بأنه عبارة عن توهم العبد بأن له قدرة وإرادة مؤثرتين في الفعل الحال فيه، وصرح بأن هذا التوهم فاسد فلا يصح حينئذ معنى الإعانة والاستعانة أصلا في حق هذا العبد الذي لا نصيب له من الفعل الحال فيه، سوى هذا التوهم الفاسد، وهو ظاهر، وتارة يفسره أعني الكسب بأنه عبارة عن ظهور الفعل في العبد حسنا كما سيأتي فيما كتبته على قول المؤلف رحمه الله تعالى.
قالوا: قال الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون} وعلى هذا فلا يتم معنى الإعانة والاستعانة، إذ ليس المراد بظهور الفعل بين العبد حسنا أنه يظهره ويخرجه وهو في العدم إلى الوجود، بل المراد أنه يكون محلا لظهور الواقع من الله تعالى، فرجع إلى كلام الجمهور من الأشاعرة، وتارة فسره بأنه عبارة عن تعلق قدرة العبد وإرادته بالفعل، وهذا المعنى لا يصح معه إعانة العبد واستعانته أصلا؛ لأن هذا التعلق المذكور مخلوق فيه كما سيصرح به فيما سيجيء إن شاء الله تعالى، فرجع هذا التفسير إلى المحلية كالذي قبله.
وبالجملة فكل ما ذكره في تفسير الكسب على اختلاف آرائهم الفاسدة لا تجده راجعا إلا إلى مجرد المحلية[7] فظهر أن الإعانة والاستعانة لا يتم معناها على مذهبهم كالجهمية وخلص الجبرية كما بيناه أولا.
والإمام الرازي لم يتعرض لهذا المعنى في بيان انتفاء معنى الإعانة والاستعانة على قاعدة الكسب، وإنما قال في المحصل ما لفظه: وإذا كان الله خالق الكفر والمعاصي كيف يستعان به، انتهى، ثم بين أن الكسب اسم لا مسمى له، والأمر كما قال.
Bogga 19