وأنت تعلم: أن هذا لا يغني من الحق شيئا، وذلك؛ لأن أصولهم لا تمنع أنه تعالى يخلق العلم بصدق المدعي للنبوة مع كونه كاذبا في نفس الأمر، وإنما يمتنع منه تعالى ذلك إذا امتنع منه تعالى الإغواء والإظلال لعباده، لكنه لا يمتنع عند الأشاعرة، ونحوهم ، بل يجوز وزنه عليه تعالى، بل هو الواقع في أفعاله عز وجل؛ لأنه الموجد لكل قبيح، والمؤثر في كل ظلال كما هو مذهب الجبر، وعلى هنا فلم لا يجوز عندهم أن العادة إنما جرت بأنه تعالى يصدق الكاذب في دعواه بأن يظهر المعجزة على يديه، ويخلق العلم بصدقه عند إظهارها كما جرت عادته عنده بأن يخلق الكذب، والكفر والفسوق والعصيان، ويوجد الفجور، والمنكر، والبهتان سبحانه وتعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وإذا كانت هذه عادته عندهم فلما لا يجوز على مذهبهم أن الشرائع كلها كذب، وأنها إنما وقعت المعجزات جميعها على أيدي الكذابين تلبيسا لا يدلهم من دليل على أن هذه الشرائع حق في نفس الأمر، وأن الأنبياء عليهم السلام صادقون في الواقع، ولم حكموا بأنها إنما جرت عادته تعالى تصديق الصادقين في دعوى النبوة، وهم قد حكموا بأنها قد جرت عادته تعالى بالإظلال والإغواء، والتلبيس والخدع، وخلق الكذب، والبهت، والفجور، وهو سبحانه المؤثر في إيجاد كل صلالة، فقل هاتوا برهانكم على صحة النبوة والرسالة، لا يقال: الإيراد مشترك الأشكال إذ يجزي في مثل هذا التجويز في جميع العلوم العادية، فيقال مثلا: أن العلم المستفاد من التوافق بوجود البصرة وبغداد لمن لم يعرفهما علم عادة لا محالة، فيجوز عليه الانقلاب، وجرى العادة بعكس ما جرب به من عدم تواطي الجم الغفير على الكذب كما يجوز أن الله تعالى يخلق العلم بصدق الخبر المتواتر مع كذبه في نفس الأمر، وحينئذ لا يوفق في الإخبار، وفي ذلك بطلان الثقة بسائر الشرائع لا ما نقول، هذه مغالطة في البين وخلط للكلام في مقامين بينهما بعد المشرقين فإن أحدهما قد ثبتت فيه العادة واستقرت، والآخر لا ثبوت لها فيه إلا بمجرد الدعوى التي تكررت واستمرت، والذي زخرف معنى هذا السؤال هو الرازي، إلا أنا زدنا تقريرا يستلزم اشتراك الأشكال في ظاهر الحال، وهو مندفع بما أشرنا إليه، وتوضيحه ذلك أنا إذا قلنا: أن لنا علما مستفادا من التواتر مثلا مستندا إلى العادة الحاكمة باستحالة تواطؤ الجمع الكثير على الكذب، فقد أثبتنا شيئين:
أحدهما: العادة المستمرة.
Bogga 119