فقال له أمير المؤمنين يا ابن الخمارة ليس كما قست إن عثمان جلس في غير مجلسه وارتدى بغير ردائه صارع الحق فصرعه الحق والذي بعث محمدا بالحق لو وجدت يوم بويع أخو تيم أربعين رهطا لجاهدتهم في الله إلى أن أبلي عذري ثم قال:
أيها الناس إن الأشعث لا يزن عند الله جناح بعوضة وإنه أقل في دين الله من عفطة عنز (1)
وروى جماعة من أهل النقل من طرق مختلفة عن ابن عباس قال كنت عند أمير المؤمنين بالرحبة (2) فذكرت الخلافة وتقدم من تقدم عليه فتنفس الصعداء (3) ثم قال :
أما والله لقد تقمصها ابن أبي قحافة (4) وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى (5) ينحدر عني السيل ولا يرقى إلي الطير فسدلت دونها ثوبا (6) وطويت عنها كشحا (7) وطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء أو أصبر على طخية عمياء (8) يشيب فيها الصغير ويهرم فيها الكبير ويكدح فيها
وهذه الخطبة الجليلة في حسن اسلوبها ، وبديع نظمها ، وفصاحة ألفاظها ، دليل لا يقبل التردد ، ولا يتطرق إليه الشك في كونها صادرة عن مركز الثقل الإلهي ، ومعدن الوصاية والإمامة ، فهي حقا كما قيل : « فوق كلام المخلوق دون كلام الخالق ».
وقد رواها الشيخ المفيد في الإرشاد ص 127 وقال ابن أبي الحديد في شرحه على النهج ص 69 ج 1 : حدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي في سنة « 603 » قال : قرأت على الشيخ أبي محمد بن عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة ..
إلى أن قال : فقلت له : أتقول إنها منحولة؟ فقال : لا والله ، وإني لأعلم صدورها منه كما أعلم أنك « مصدق » قال : فقلت له : إن كثيرا من الناس يقولون : إنها من كلام الرضي رحمه الله تعالى ، فقال : أنى للرضي ولغير الرضي هذا النفس وهذا الأسلوب؟ قد وقفنا على رسائل الرضي وعرفنا طريقته وفنه في الكلام المنثور ، وما يقع مع هذا الكلام في « خل ولا خمر ».
ثم قال : والله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة ، ولقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها ، وأعرف من هو من العلماء وأهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي قلت : وقد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي إمام البغداديين من المعتزلة ، وكان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة ، ووجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر ابن قبة أحد متكلمي الإمامية ، وهو الكتاب المشهور المعروف بكتاب « الإنصاف » وكان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخي رحمه الله تعالى ، ومات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضي رحمه الله تعالى موجودا.
Bogga 191