ليس لنا حتى الآن ما يصح أن يسمى «بأوپرا مصرية »، وإن كنا نرى أن هذا من الواجبات التي تحدو بنا إلى تكوينها بدل أن نكتفي بالأسف واليأس. على أن بعض من لا يعرفون شيئا عن الأوپرا ثم يتصدرون للنقد الفني يزعمون أننا عريقون في التمثيل الغنائي وفي الأوپرا على الأخص، ويستشهدون على ذلك بالأغاني التي كانت تتخلل الروايات القديمة التي كانت تمثلها أجواق القرداحي وفرح والشيخ سلامة حجازي والشيخ إبراهيم الإسكندري والشيخ أحمد الشامي، وغيرها مما عرفنا معظمها في حداثتنا منذ خمس وعشرين سنة، ثم بالأوپرا (عايدة) التي ألفت ولحنت ومثلت في القاهرة بأمر المغفور له الخديوي إسماعيل باشا. فأما عن الأغاني المجردة في الدرامات فهي بدعة منتقدة غالبا ولا تخلق أوپرا ولا شبه أوپرا، ولا يمكن أن يعرض مثل هذه الملاحظة إلا من لا يدري شيئا عن الأوپرا سواء بالنسبة لروحها وتأليفها أو بالنسبة لألحانها ومظهرها. وإذا كانت الهزليات الموسيقية (
Musical Comedies
أو
Opera Bouffe ) في أوروبا لا تعتبر من قبيل الأوپرا الصادقة، رغم ما فيها من أغان كثيرة موقعة ومن رقص موسيقي، وإذا كانت الأوبرا المجونية (Opéra comique)
التي يكون فيها الحوار حديثا لا غناء يكاد يخرجها بعض النقاد المتطرفين عن الأوپرا الأصيلة، فالأولى بنا أن ننزه الأوپرات عن أن تقبل في عشيرتها الروايات العادية أو الممتازة التي تطرق إليها الغناء قليلا لمناسبة أو لغير مناسبة.
وأما عن الأوپرا (عايدة) فلا بأس من ذكر كلمة عنها، بل لا بد لنا من ذكر تلك الكلمة لنستخلص منها العبرة الواجبة فيرى الغافلون كيف أصبحت تلك الأوپرا غريبة عنا، وكيف أننا بتقصيرنا لم ننتفع بالمنشط الفني العظيم الذي بثه الخديو إسماعيل.
شاء بذخ الخديو إسماعيل وحبه للفن ورغبته في إظهار مصر بمظهر الحضارة العصرية أمام ضيوفه في حفلة افتتاح قناة السويس أن لا تعدم مصر الأوپرا الممثلة لتاريخها وفنها، فأمر بتشييد دار الأوپرا المعروفة بأقرب وقت، فتم ذلك في خمسة شهور تحت ملاحظة المهندس المعماري فوسكاني، وبلغت نفقات إنشائها وتنسيقها مائة وستين ألفا من الجنيهات، وفي الوقت ذاته عهد إلى مارييت باشا المصريولوجي الشهير (مارييت بك في ذلك العهد) بوضع قصة مصرية تاريخية تصلح لأن تكون مادة لأوپرا عظيمة، فوضع قصة «عايدة». ثم صاغها نظما فرنسيا الشاعر كاميل دو لوكل (Camille du locle)
مدير الأوپرا كوميك في باريز، وكان حينئذ في زيارة ڨردي، وبعدئذ نقلها إلى النظم الإيطالي الشاعر الفنان أنطونيو جيزلنزوني (Antonio Ghislanzoni)
ليوقعها الموسيقار العظيم (ڨردي)؛ ولتناسب الفرقة الإيطالية التي قامت بتمثيلها في القاهرة في مساء 24 ديسمبر (ليلة عيد الميلاد) سنة 1871م ...
ڨردي (1813-1901) ملحن (عايدة) وأشهر الملحنين الإيطاليين للأوپرا في القرن التاسع عشر.
Bog aan la aqoon