أن رسول الله (ص) موطنا غير مكة والمدينة فإن زعموا أن أبا بكر أنفق هذا المال بمكة قبل الهجرة قبل لهم على ما أنفق هذا المال وفيم صرفه هل كان لرسول الله بمكة من الحشم والعيال ما أنفق عليهم هذا المال كله ما أسلم أبو بكر إلى وقت هجرته فهذا من أبين المحال أم تقولون أن رسول الله (ص) جهز الجيوش بمكة بذلك المال فيظهر فضايحهم إذ كان رسول الله (ص) بإجماع الأمة لم يشهر سيفا بمكة ولم يأمر به ولا أطلق لأصحابه محاربة أحد من المشركين بها وإنما كان أسلم معه إذ ذاك أربعون رجلا فلما اشتد عليهم الأذى من قريش وشكوا ذلك إلى رسول الله (ص) ولى عليهم جعفر بن أبي طالب وأخرجهم معه إلى أرض النجاشي ملك الحبشة فكانوا هناك إلى أن هاجر رسول الله (ص) وفتح كثيرا من فتوحه فقدموا عليه بعد سنين من الهجرة ولقد كان رسول الله (ص) بشهادة الخاص والعام أغنى قريش بعد تزويجه بخديجة (رض) وكانت خديجة باقية عنده إلى سنة الهجرة لا يحتاج معها إلى مال غيرها حتى لقد كان من استظهاره بذلك أن ضم علي بن أبي طالب (ع) إلى نفسه تخفيفا بذلك عن أبي طالب في المعونة وما وجدنا في شئ من الأخبار أن رسول الله (ص) بعد تزويجه بخديجة احتاج إلى أحد من الناس فإن أهل الأثر مجتمعون على أن خديجة كانت أيسر قريش وأكثرهم مالا وتجارة وأما بعد الهجرة إلى المدينة فقد علم أهل الأثر أن أبا بكر ورد المدينة وهو محتاج إلى مواساة الأنصار في الدور والمال وفتح الله تعالى على رسوله (ص) عن قريب من غنايم الكفار وبلدانهم ما كان بذلك أغنى العرب على أن أبا إسحاق من أكابر محدثي أهل السنة قد روى ما يكذب ذلك حيث روى أن النبي (ص) لم يركب بناقة حتى قالم بثمنها من ماله فمن لم يستحل ركوب ناقة غيره من غير إعطاء ثمنها فكيف يستحل غيرها وأما الرابع عشر فلأن ما رواه عن النبي (ص) إنما كان لما ذكرناه سابقا من أن سلمان قد صرف أياما قبل ذلك بإثبات حقية النبي (ص) ووعده بإحسان النبي (ص) إياه عند ظهور شوكة الإسلام وأما الخامس عشر فلأن ما ذكره من أن أبا بكر أخذ يدعو الناس إلى رسول الله (ص) إلى آخره لو سلم لا يجدي نفعا إذ ليس الكلام في أنه لم يظهر من أبي بكر أثر في الإسلام أصلا وإنما الكلام في أنه لم يكن ذلك عن صدق نية وإخلاص طوية بل كان لطمعه في جاه النبي (ص) لما سمع من الأحبار والرهابين من استيلائه (ص) على أقطار الأرض وملوك الأيام وإن فرض أنه صدر عنه ذلك على وجه الصدق والخلاص فقد صدر عنه بعد النبي (ص) من غصب الخلافة وغيره من آثار الغواية والجلافة ما أحبط عمله في سالف الأيام وأما السادس عشر فلأن قوله وطلحة بن عبد الله من أشراف تيم محل تأمل وإني كان في تيم شريف حتى يكون طلحة من أشرافهم وأما السابع عشر فلأن الحصر المأخوذ في قوله أن رسول الله (ص) لا يقدم على أمر إلا بمشاورته فجاز أن يكون ذلك لتأليف قلبه وتطييب خاطره لا للحاجة إلى رأيه كما سيعترف به الناصب في دفع ما سيجئ من الطعن بقول أبي بكر أن لي شيطانا يعتريني إلى آخره فلا فضيلة فيه غايته أن يكون من مؤلفة القلوب والحاصل أن النبي (ص) المؤيد بالوحي الإلهي والنفس القدسي الذي يتمكن من مطالعة اللوح المحفوظ أعلى شأنا من أن يحتاج إلى مشورة رعيته سيما من مضى أكثر عمره في الكفر والجاهلية وبالجملة المشاورة لا يستلزم الإظهار والاستعانة برأي أحد والعمل بذلك ولهذا ورد في مشاورة النساء شاوروهن وخالفوهن وفي الآية التي أمر الله تعالى فيها بالمشاورة إشارة إلى ذلك حيث قال تعالى فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين فإنها تدل على أن الضابط للمخاطبين فيها والجامع لهم على نبوته لين جناحه وتلطفه بهم دون حكم النبوة وطاعة الرسالة وأنه لولا ذلك لما حصلت الألفة والمتابعة وقوله تعالى لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك دليل على نقصانهم وأنه لو كان كذلك لما صبروا على نبوته ولا قاموا على حكم رسالته وقوله تعالى فاعف عنهم واستغفر لهم دليل على أنهم قد فعلوا ما لم يرتضيه الله ولا رسوله منهم وإن كونهم بتلك الصفات من جملة الجنايات التي يحتاج إلى عفوه عنهم قوله وشاورهم في الأمر بيان لنقصهم وضعف دينهم وأنهم من المؤلفة الذين يحتاجون إلى التأليف وقوله فإذا عزمت فتوكل على الله ولم يقل فإذا قالوا لك دليل على أن اعتماده (ع) في مقام المشورة على ما ظهر له بالوحي والإلهام لا على أقوال هؤلاء الأنام بل هو شاهد عليهم بسخافة الرأي وضعف الأحلام ومن كان بهذه الصفة لا يصلح لأن يكون مدبرا ومشيرا للرسول (ع) في الوقايع والأحكام واعترض الفاضل التفتازاني في التلويح بما حاصله أنه كان ذلك لتطيب قلوبهم فإن لم يفعل برأيهم كان ذلك؟؟؟
واستهزأ لا تطييبا وإن عمل فقد ثبت المطلوب وأقول فيه نظر لأنا نختار الشق الأول ونقول أن الاستهزاء إنما يحصل لو صرح لهم بعدم عمله برأيهم وأما بدون ذلك فلا وأيضا الغلب عند تأمل جمع كثير في استخراج أمر من الأمور وترجيحه على ما عداه أنه لا يوافق رأي بعضهم بعضا فجاز أن يكون القرار في مقام المشورة على ما رآه البعض الآخر استهزاء لذلك البعض الآخر وهذا لو قاله أحد لاستهزأ به ويمكن أن يكون المشاورة لامتحان باطن حالهم وتميز الناصح من الغاش والمخلص من المنافق ولا يتوجه اعتراض الفاضل التفتازاني على هذا الاحتمال وقد شيد أركانه شيخنا المفيد قدس سره في بعض مجالسه حيث قال أعلم أن الله تعالى أعلم نبيه (ص) أن في أمته من ينبغي له الغوائل ويتربص به الدوائر ويسر خلافه ويبطن مقته ويسعى في هدم أمره وينافقه في دينه ولم يعرفه أعيانهم ولا دله عليهم بأسمائهم فقال تعالى ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم وقال جل اسمه إذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون وقال تعالى يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين ويحلفون بالله أنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون وقال جلت عظمته وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وأن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون وقال عز من قائل ولا ينفقون إلا وهم كارهون وقال جل ذكره وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا ثم
Bogga 214