الذَّاتِ (١) وَهُوَ مُحَالٌ. وَإِنْ كَانَ مَدْلُولُ اسْمِ الْوُجُودِ صِفَةً زَائِدَةً عَلَى ذَاتِ الرَّبِّ تَعَالَى، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ الْمَفْهُومُ مِنْهُ هُوَ الْمَفْهُومَ مِنَ اسْمِ الْوُجُودِ فِي الْحَوَادِثِ وَإِمَّا خِلَافَهُ، وَالْأَوَّلُ يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ مُسَمَّى الْوُجُودِ فِي الْمُمْكِنِ وَاجِبًا لِذَاتِهِ ضَرُورَةَ أَنَّ وُجُودَ الْبَارِي تَعَالَى وَاجِبٌ لِذَاتِهِ، أَوْ أَنْ يَكُونَ وُجُودُ الرَّبِّ مُمْكِنًا ضَرُورَةَ إِمْكَانِ وُجُودِ مَا سِوَى اللَّهِ تَعَالَى وَهُوَ مُحَالٌ، وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ لَزِمَ مِنْهُ الِاشْتِرَاكُ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
فَإِنْ قِيلَ: الْمَقْصُودُ مِنْ وَضْعِ الْأَلْفَاظِ إِنَّمَا هُوَ التَّفَاهُمُ وَذَلِكَ غَيْرُ مُتَحَقِّقٍ مَعَ الِاشْتِرَاكِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ فَهْمَ الْمَدْلُولِ مِنْهُ ضَرُورَةً تُسَاوِي النِّسْبَةِ (٢) غَيْرُ مَعْلُومٍ مِنَ اللَّفْظِ وَالْقَرَائِنِ فَقَدْ تَظْهَرُ وَقَدْ تَخْفَى، وَبِتَقْدِيرِ خَفَائِهَا يَخْتَلُّ الْمَقْصُودُ مِنَ الْوَضْعِ وَهُوَ الْفَهْمُ.
قُلْنَا: وَإِنِ اخْتَلَّ فَهْمُ التَّفْصِيلِ عَلَى مَا ذَكَرُوهُ فَلَا يَخْتَلُّ مَعَهُ الْفَهْمُ فِي جِهَةِ الْجُمْلَةِ كَمَا سَبَقَ تَقْرِيرُهُ، وَلَيْسَ فَهْمُ التَّفْصِيلِ لُغَةً مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ بِدَلِيلِ وَضْعِ أَسْمَاءِ الْأَجْنَاسِ، فَإِنَّهَا لَا تُفِيدُ تَفَاصِيلَ مَا تَحْتَهَا، وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ إِنَّمَا هِيَ
_________
(١) الِاشْتِرَاكُ إِنَّمَا هُوَ فِي الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ فَلَا يَلْزَمُ الْمُحَالُ، وَبِهَذَا يَتَبَيَّنُ مَا فِي الْقِسْمِ الثَّانِي مِنَ الدَّلِيلِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذَا الدَّلِيلُ مَبْنِيٌّ عَلَى تَوَهُّمِ أَنَّ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْخَلْقِ وَالْمَخْلُوقِ فِي الْمَفْهُومِ الْكُلِّيِّ لِاسْمِ الْوُجُودِ (وَهُوَ مُطْلَقُ الْوُجُودِ) تَسْتَلْزِمُ الْمُشَارَكَةَ فِي الْخَارِجِ، وَالْمُشَابَهَةَ الَّتِي نَزَّهَ اللَّهُ نَفْسَهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) وَلَيْسَ كَذَلِكَ. إِذِ الْكُلِّيُّ لَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ، وَلَا اشْتِرَاكَ فِي الْوُجُودِ الْخَارِجِيِّ حَتَّى تَلْزَمَ الْمُشَابَهَةُ فِيهِ، فَلِلَّهِ وُجُودٌ يَخُصُّهُ فَلَا أَوَّلَ لِوُجُودِهِ، وَلَا وُجُودَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا تَطْرَأُ عَلَيْهِ آفَاتٌ، وَلَا يَعْتَرِيهِ فَنَاءٌ إِلَخْ. وَلِلْمَخْلُوقِ وُجُودٌ يَخُصُّهُ فَلَهُ أَوَّلٌ وَهُوَ مُسْتَمَدٌّ مِنْ غَيْرِهِ وَحَاجَتُهُ مُسْتَمِرَّةٌ وَيَنْتَهِي إِلَى فَنَاءٍ إِلَخْ. وَيَتَّضِحُ ذَلِكَ بِاللَّوْنِ فَإِنَّ مَعْنَاهُ كُلِّيٌّ لَا وُجُودَ لَهُ إِلَّا فِي الذِّهْنِ وَيَشْتَرِكُ فِيهِ أَفْرَادُهُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ كَسَوَادِ الْفَحْمِ، وَبَيَاضِ الْقُطْنِ إِلَخْ. وَلَمْ يَلْزَمْ مِنَ اشْتِرَاكِهَا فِي مَعْنَاهُ الْكُلِّيِّ تَشَابُهُهَا فِي الْخَارِجِ، وَلَا مُدَاخَلَةُ كُلٍّ الْآخَرَ فِي خَوَاصِّهِ بَلْ مَا زَالَتْ مُتَضَادَّةً مُتَمَيِّزًا كُلٌّ مِنْهُمَا عَنِ الْآخَرِ بِخَوَاصِّهِ. وَإِذَا لَمْ يَلْزَمْ ذَلِكَ فِي الْأَلْوَانِ وَهِيَ مَخْلُوقَةٌ فَأَوْلَى أَنْ لَا يَلْزَمَ ذَلِكَ بَيْنَ اللَّهِ وَعِبَادِهِ.
وَإِنْ أَرَدْتَ الْمَزِيدَ فَارْجِعْ إِلَى التَّدْمُرِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِنْ كُتُبِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ.
(٢) تَعْلِيلٌ مُعْتَرِضٌ بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا
1 / 21