وفي بعض ألفاظ الحديث: "إنما أنا بشرٌ، أَرضى كما يرضى البشر، وأغضبُ كما يغضبُ البشر، فأيُّما مؤمنٍ سببتُه أو لعنتهُ فاجعلها له زكاةً".
فلو كان النبي ﷺ مُريدًا لِما دعا به في الغضب، لَما شَرَط على ربِّه وسألَ أن يَفْعَلَ بالمدعوِّ عليه ضدَّ ذلك، إذْ من الممتنع اجتماعُ إرادةِ الضِّدَّيْن، وقد صرّح بإرادة أحدِهما، مشترطًا له على ربِّه، فدلَّ على عدم إرادته لِما دعا به في حال الغضب.
هذا وهُو ﷺ معصومُ الغضب، كما هو معصومُ الرضا، وهو مالك لفظه بتصرُّفه (^١)، فكيف بمن لم يُعْصَم (^٢) في غضبه، وتمليكه (^٣)، ويتصرَّفُ فيه غضبُه، ويتلاعبُ الشيطان به فيه؟!
وإذا كان الغضبان يتكلَّم بما لا يريده، ولا يريدُ مضمونه، فهو بمنزلة المُكره الذي يُلْجَأُ إلى الكلام، أو يتكلَّم به باختياره ولا يريد مضمونه، والله أعلم.
فإن قيل: ما ذكرتم مُعارَضٌ بما يدلُّ على وقوع الطلاق؛ فإن الغضبان أتي بالسببِ اختيارًا، وأراد في حال الغضب ترتُّبَ أثرِه عليه، ولا يضرُّ عدمُ إرادته له في حال رضاه؛ إذْ الاعتبارُ بالإرادة إنما هو حالَ التلفُّظ، بخلافِ المُكْرَه، فإنه محمولٌ على التكلُّم بالسبب، غيرُ مريدٍ
_________
(^١) كذا فى الأصل.
(^٢) في الأصل: يعصهم. وهو تحريف.
(^٣) كذا في الأصل. ولعلها: ويتملَّكُه.
1 / 63