الحال، والمكرَه وإن مَلَك نفسه لكنَّه لا يملك دفعَ المكروه عنه، وأما الغضبان فإنه يمكنه أن يملك نفسه. كما قال النبيُّ ﷺ: "ليس الشديد بالصُّرعة، ولكنه الذي يَمْلِكُ نفسه عند الغضب" (^١).
قيل: مِنَ الغضب ما يُمْكِنُ صاحبُه أن يملك نفسه عنده، وهو الغضب في مبادئه، فإذا استحكم وتمكَّن منه لم يَمْلِكْ نفسه عند ذلك، وكذاك الحُزْنُ الحامل على الجَزَع، يُمْكِنُ صاحبُه أن يملك نفسه في أوله، فإذا استحكم وقَهَر لم يملك نفسه، وكذلك الغضب يُمْكِن صاحبُه أن يملك نفسه في أوله، فإذا تمكن واستولى سلطانُه على القلبِ لم يملكْ صاحبُه قلبَه، فهو اختياريٌّ في أوله، اضطراريٌّ في نهايته، كما قال القائل (^٢):
يا عاذلي والأمرُ في يده ... هلَّا عَذَلْتَ وفي يدي الأمرُ
_________
(^١) رواه الإمام أحمد [(٢/ ٢٣٦)]، والشيخان [البخارى (٥٧٦٣)، ومسلم (٢٦٠٩)] عن أبى هريرة.
قال ابن الأثير في "النهاية" [(٣/ ٢٣ - ٢٤)]: "الصُّرَعة -بضم الصاد وفتح الراء- المبالِغُ في الصراع، الذي لا يُغْلَب، فنَقَله إلى الذي يَغْلِبُ نفسه عند الغضب ويقهرها، فإنه إذا مَلَكها كان قد قهر أقوى أعدائه وشر خصومة؛ ولذلك قال: أعدى عدوٍّ لك نفسك التي بين جنبيك.
وهذا من الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللغوي لضربٍ من التوسُّع والمجاز، وهو من فصيح الكلام؛ لأنه لمَّا كان الغضبان بحالَةٍ شديدةٍ من الغَيْظ، وقد ثارت عليه شهوة الغضب، فقهرها بحلمه، وصَرَعها بثباتِه، كان كالصُّرَعةَ الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه". (القاسمي).
(^٢) لم أقف عليه. وانظر البيت -أيضًا- في "روضة المحبين" (١٨٨)، و"شفاء العليل". (١/ ٤٠٩).
1 / 40