فصل
الوجه الثالث: قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلَا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلَا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠)﴾ [الأعراف: ١٥٠].
ووجه الاستدلال بالآية أن موسى صلوات الله عليه لم يكن لِيُلْقي ألواحًا كتبها الله تعالى، فيها كلامه، مِنْ على رأسه إلى الأرض، فيكسوها = اختيارًا منه لذلك، ولا كان فيه مصلحةٌ لبني إسرائيل، ولذلك جَرَّة بلحيته ورأسه (^١)، وهو أخوه، وإنما حمله على ذلك الغضب، فَعَذَرهُ اللهُ سبحانه به، ولم يَعْتَبْ عليه بما فعل؛ إذْ كان مصدرُه الغضبَ الخارجَ عن قدرة العبد واختياره، فالمُتَوَلِّدُ عنه غيرُ منسوب إلى اختيارهِ ورضاهُ به. يوضِّحُه:
الوجه الرابع: وهو قوله: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوَاحَ﴾ [الأعراف: ١٥٤].
فعَدَلَ سبحانه عن قوله: "سَكَن" إلى قوله: ﴿سَكَتَ﴾؛ تنزيلًا للغضب منزلة السلطان الآمر الناهي، الذي يقول لصاحبه: افعل، لا تفعل. فهو مستجيب لداعي الغضبِ الناطقِ فيه، المتكلِّم على لسانه،
_________
(^١) كذا في الأصل. ولعل الصواب: ولذلك جرَّ هارون بلحيته ورأسه.
1 / 13