ومضت سبع سنوات وهما يتقلبان في هناء الزوجية، وكان كسب الأستاذ أنيس وفيرا، يتيح لهما التشتية في الأقصر، والاصطياف في لبنان، ولكن كان هناك مع ذلك ما ينغصهما، وهو أنهما حرما الأطفال، ومع كل ما بذلاه من مجهود بقيا طوال هذه السنوات دون أن تحمل أسماء.
ولكن الثراء، وما كان يتيح لهما من الاستمتاع، كان ينسيهما هذا الحرمان، وأنهما استقرا في النهاية على عادات اجتماعية تشغل وقتيهما بالزيارات والتنزهات وشراء الصفقات الكاسبة من عقارات مدنية أو ريفية.
ثم حدث وهما يسيران ذات يوم على الكورنيش أن لحظت أسماء في زوجها اضطرابا في حديثه؛ فقد كان يثب من موضوع إلى آخر في تفكك وبلا ارتباط، ولم تأبه كثيرا؛ إذ هي عللته بأنه متعب من عمله في مكتبه.
ولكن هذا الاضطراب استمر في اليوم التالي، وزاد كثيرا بعد أسبوع، حتى إنه؛ أي الأستاذ أنيس، كان وهو إلى المائدة ينسى أنه يأكل، ويسترسل في الحديث المتفكك عن السياسة، التي يثب منها إلى بعض القضايا التي يدرسها، ثم يثب من هذا إلى الاستحمام في البحر، ثم يذكر أحد الأصدقاء.
وذهلت أسماء، واستدعت ثلاثة من أصدقاء زوجها، وجميعهم من الأطباء، وما هو أن حضروا إلى منزله، ورأوه على هذه الحال حتى تلاحظوا في صمت يدل وكأن كربا عظيما قد حط عليهم.
وهرع أحدهم إلى الشارع، وسارع إلى سيارته، ومضى بها يعدو إلى إحدى الصيدليات؛ حيث اشترى عددا كبيرا من الأنابيب عاد بها، وشرع الجميع يعالجونه ويحقنونه.
وفهمت أسماء من نظراتهم أن هذا مرض خطير يخشونه، فطلبت منهم أن يصارحوها، ولم يتأخروا عن مصارحتها، وفهمت أسماء أن زوجها مريض بأحد الأمراض الوبيلة التي تنتهي بالشلل العام ثم الموت، إذا لم تعالج في شهورها، بل في أسابيعها الأولى، وأنه؛ أي زوجها، قد وصل إلى الدور الأخير من المرض، وأن الأمل في شفائه ضعيف ولكنهم لن ييأسوا ...
وفهمت أسماء من الأحاديث الصريحة مع الأطباء أن العزوبة كثيرا ما يحفل طريقها بالمزالق للشبان، وأن هناك مرضا خطيرا يبدأ بعلامات تافهة، ولكنه ينتهي إذا أهمل بالدمار؛ لأنه يمزق الأعصاب ويبلي خلايا المخ، فيكون الجنون والشلل معا.
وخرجوا بعد أن أرقدوا الأستاذ أنيس على سريره، ونصحوا لزوجته بما يجب أن تفعل.
ووجدت أسماء نفسها مع زوجها وحدهما، فأكبت عليه وهي تبكي وتقبله، وتخرج منها كلمة «يا حبيبي» مكررة في تنهدات تمزق قلبها.
Bog aan la aqoon