221

Ifriqiya

أفريقيا: دراسة لمقومات القارة

Noocyada

والزنوج بوصفهم أكبر مجموعة سلالية أفريقية ، نجدهم يسكنون مناطق كبيرة من أفريقيا تمتد من الغابات الاستوائية إلى نطاقات السفانا الأفريقية كلها، وفي هذه المنطقة الكبيرة نجد تغيرات عديدة، مما أدى إلى نشوء مجموعات سلالية زنجية مختلفة. أما الوطن الأصلي للزنوج فأمر غير معروف على وجه الدقة والتأكيد، وربما ارتبط الوطن الزنجي الأصلي بالوطن الأصلي للسلالات الإنسانية جميعا، وفي ذلك قيل إن الوطن الأول كان في غرب آسيا أو جنوبها الغربي، ولكن الكشوف العلمية الحديثة في شرق أفريقيا وجنوبها قد جعلت بعض العلماء يؤكدون أن الإنسان قد نشأ في هذه المناطق من أفريقيا، وما زال الأمر مفتوحا لآراء جديدة، كلما عثر على كشف حفري جديد.

وفي خلال الفترة الأولى من نشأة الإنسان كانت جغرافية الأرض متغيرة نسبيا عما هي عليه الآن، وأهم مظاهر التغير أنه كانت هناك معابر أرضية حيث توجد المضايق الحالية، على الأقل في جبل طارق وصقلية وتونس وباب المندب، وإلى جانب ذلك كانت الأحوال المناخية مختلفة تماما، فلم يكن هناك وجود للنطاق الصحراوي من الأطلنطي إلى أواسط آسيا، كما أن شمال أوروبا وجبال الألب كانت عبارة عن ثلاجات هائلة؛ نظرا لامتداد غطاءات الجليد السميك فوقها، وعلى هذا فلم تكن أفريقيا المدارية معزولة عن حوض البحر المتوسط بواسطة الحاجز الصحراوي في الجزيرة العربية وشمال أفريقيا، بل إن إقليم الصحراء كان منطقة سكنية ممتازة لوفرة الأمطار والنباتات والحياة الحيوانية.

وقد بدأت الأحوال الصحراوية في الظهور بعد انقشاع الجليد، وربما كان ذلك منذ 15 ألف سنة ق.م، وقد اقترنت الأحوال الصحراوية - أو تلتها - باكتشاف الزراعة واستئناس الحيوان، أو ما يعرف باسم إنتاج الطعام في مصر الفرعونية والعراق والسند.

ومنذ 5000 سنة ق.م على الأقل نجد الصحراء عازلا حقيقيا بين أفريقيا الزنجية وأفريقيا البيضاء أو القوقازية، ولكن الاختلاط بين السلالتين الرئيسيتين قد تم في مناطق عديدة داخل نطاق السفانا السودانية، وعلى الأخص في الشرق في جنوب السودان وإثيوبيا وأوغندا وكينيا، إلى جانب الاختلاطات في الغرب وفي الوسط حول بحيرة تشاد. وما زال نطاق السفانا القصيرة منطقة اختلاط للشعوب واللغات القوقازية والزنجية كما يتضح ذلك جليا من الخريطة رقم (37).

والحقيقة أنه رغم وجود الصحراء فإن أفريقيا لا تشتمل على عوائق طبيعية مانعة، وبالتالي فإنه لا يمكننا أن نقول إن ثمة سلالات نقية في أفريقيا إلا في أضيق الحدود.

وإلى جانب ذلك فإن الدراسات الإنتروبولوجية في أفريقيا من النقص بحيث لا تمكننا من وضع التصنيفات اللازمة لتمييز السلالات، ومن ثم فإن معظم الأقسام السلالية التي نعرفها في أفريقيا الآن عبارة عن أقسام لغوية في معظمها، وبالتالي فإن كل ما يقال عن السلالات في أفريقيا ما هو إلا تقسيم مبدئي.

وفي مناطق العزلة الحقيقية في أفريقيا نجد مجموعتين من السلالات المتميزة هما: أقزام الكنغو وبشمن كلهاري، وكلاهما قد دفع إلى مناطق الالتجاء بواسطة شعوب أكثر تقدما، وكلاهما شعبان يعيشان على الصيد والجمع، وحضارتهما شبيهة بالحضارة الحجرية، وهما في طريقهما إلى الانقراض أو الانصهار داخل الجماعات المحيطة بهما لقلة عددهما؛ فهناك قرابة مائة ألف من الأقزام، ونصف هذا العدد من البشمن رغم أن مساحة أوطان البشمن أكبر بكثير. واختلاف العدد بينهما راجع إلى الغنى والوفرة النسبية في أوطان الأقزام، والفقر والجدب في بلاد البشمن، ولا شك لدينا في أن أعدادهما كانت أكبر قبل انكماش أوطانهما وفقدان مجموعات منهما داخل الزنوج بالتزاوج. (1-1) السلالات القديمة

الأقزام

إن الصفة التي أعطت للأقزام اسمهم المميز هي قزمية القامة التي تبلغ في المتوسط 140سم للرجال و130سم للنساء، والقزمي الأصيل يبلغ طوله حوالي 130سم، أما الذي اختلط بالزنوج فيبلغ عادة أقل من 152سم، وطول الذراعين كبير مما لا يتناسب مع القامة القزمية. والبشرة صفراء داكنة إلى بنية، والجسم مغطى بشعر خفيف، والعيون كبيرة بارزة، والأنوف مفلطحة، والفك الأعلى بارز عادة، ومن صفاتهم السلالية المميزة أن شعر الرأس مفلفل على عكس الشعر الصوفي عند الزنوج، وهم يعيشون في جماعات صغيرة العدد لا تزيد عن خمسين إلى مائة شخص، ويصطادون بالقسي والسهام المسممة، ويجمعون الجذور والثمار، ولقد أصبح الأقزام يعتمدون تماما على جيرانهم من الزنوج المزارعين، ويتبادلون معهم الصيد بالمحصول الزراعي فيما يعرف أحيانا باسم التجارة الصامتة. والحقيقة أنه ليس في استطاعتنا أن نقول إن هناك وطنا أو أوطانا للأقزام خالصة لهم، بل يشتركون دائما في أرض زعيم زنجي، وغالبا ما يكون هناك خضوع سياسي للزنوج، وقد أدى هذا إلى امتصاص عدد من الأقزام داخل الزنوج نتيجة التزاوج.

ويتكون الأقزام من اثنتي عشرة قبيلة رئيسية، تعيش كلها داخل النطاق الغابي الاستوائي في أفريقيا الوسطى، وتؤلف هذه القبائل ثلاث مجموعات متميزة هي: المجموعة الشرقية التي تعيش في شمال شرق الكنغو وحوض السمليكي وجنوب غرب أوغندا، وتسمى مجموعة البامبوتي، ثم المجموعة الوسطى التي تعيش فيما بين نهر كساي ونهر الكنغو وتسمى الباتوا، وأخيرا المجموعة الغربية بين جنوب الكمرون وجابون، وتسمى مجموعة البابنجا. وإلى الآن لا يتفق المتخصصون في شئون الأقزام عما إذا كان للأقزام لغة أو لغات خاصة أم لا؛ فهم يتكلمون لغة الزنوج المجاورين.

Bog aan la aqoon