Maamulka Islaamiga ah ee Cisiga Carabta
الإدارة الإسلامية في عز العرب
Noocyada
البصرة والكوفة وفرس بعلبك وحمص إلى أنطاكية جماعة. هذا عدا القبائل العربية التي أسكنها الشام فمزجهم بأهلها الأصليين حتى يكون آمنا في دار ملكه. وبعمله هذا أصبح الساحل الشامي غاصا بالعجم والعرب؛ وذلك تفاديا من أن يستأثر النصارى وحدهم بمفتاح البلاد من البحر، وفي مزج العرب بالفرس بسكان البلاد الأصليين يصبح كل عنصر رقيبا على العنصر الآخر ومنافسا له. ولما صالح صاحب قبرص خير أهلها بين أن يسكنوا الشام أو يرتحلوا إلى بلاد الروم. ولئن غدت دمشق قبلة الإسلام ودار الملك فقد ظلت المدينة عاصمة الفقه والدين مدة خلافته وخلافة من خلفوه، وما جعل مقره في الشام إلا لأن أهلها أحبوه لما بلوه، وكفى بعهد إمارته عليهم أن يعرفهم ويعرفوه، ويطبع طباعهم بطابع الطاعة والتزام جانب الجماعة. وخصلة أخرى أيضا: وهي أن دمشق متوسطة بين البلاد الإسلامية أكثر من الحجاز، وفي الشام من الخيرات الطبيعية والأعمال الصناعية ما يمتار منه الجيش ويرتفق، وما يترفه به العلية من رجال الدولة ويقوون، ونحن على صواب إذا قلنا: إن دمشق أصبحت في عهد معاوية ثم في عهد الخلفاء مدرسة يتخرج فيها القواد والأمراء والجند.
ومن أهم ما قام به معاوية للتأثير في الرأي العام: حسن معرفته باستخدام الشعراء
44
وكان الشعراء كأرباب الصحافة في ذاك العصر، فانتفع بهم لمصلحة الدولة، وتكوين الوطنية العربية، فأبعد الشعر عن الهجو المألوف بين القبائل وجعله أداة عمل صالحة. ولم يغفل معاوية في وقت من الأوقات عن تعهد الزراعة وعني بها في الحجاز عناية خاصة، فأحيا موات الأرضين، واحتفر الآبار للسقيا، وأقام أسدادا للانتفاع بالمياه، وسرت أسرته ومعاصروه على طريقته، فشهدت الحجاز قرنا من الارتقاء لم تره من بعد. هذا مع أن طبيعة الحجاز قاسية غير ملائمة، ولكن الخليفة العاقل ما أحب لأهل الحجاز أن يعيشوا من العطايا والصدقات وموسم الحج؛ لأنها موارد غير طبيعية في المعاش، ومذاهب في الاتكال لا يؤمن مع زوالها عيش ونعمة. وصالحت الروم معاوية على أن يؤدي إليهم مالا وارتهن معاوية منهم رهناء فوضعهم ببعلبك، ثم إن الروم غدرت فلم يستحل معاوية والمسلمون قتل من في أيديهم من رهنهم وخلوا سبيلهم، وقالوا: وفاء بغدر خير من غدر بغدر.
كان معاوية في الإبداع بتأسيس دولة الأمويين كعمر بن الخطاب في إبداعه بإنشاء دولة الراشدين، ومع هذا فقد قيل: إن أحد الصلحاء سئل أيام معاوية كيف تركت الناس قال: تركتهم بين مظلوم لا ينتصف وظالم لا ينتهي. كأنه يريد أن تكون إدارة الملك على عهد ابن أبي سفيان، كما كانت على عهد عمر بن الخطاب، وفاته أن لكل عصر طريقته ورجاله. والغالب أن البعيد لا يقدر الأمور بقدرها كالقريب، وأرباب الصلاح يتوهمون أن العدل المطلق يستفيض في الناس بأمر من الخليفة أو بعناية عماله وحدهم، وأن كل خير لا يأتي إلا من السلطان، أما المحكومون فليس لهم كبير أثر في إفاضة العدل في العالم ولا تلحق بهم تبعة، والنقد سهل، والصعوبة في الإبداع.
قال المسعودي - وهو مشهور بتشدده في تشيعه: وأخبار معاوية وسياساته وما أوسع الناس من أخلاقه، وما أفاض عليهم من بره وإعطائه وشملهم من إحسانه، مما اجتذب به القلوب، واسترعى به النفوس؛ حتى آثروه على الأهل والقرابات. وقد كان ائتم بأخلاقه جماعة بعده مثل عبد الملك بن مروان وغيره فلم يدركوا حلمه، ولا إتقانه للسياسة، ولا التأني للأمور، ولا مداراته للناس على منازلهم، ورفقه بهم، ورفعه لهم على طبقاتهم.
إدارة يزيد ومعاوية الصغير ومروان وابنه عبد الملك
مضت أيام معاوية الطويلة؛ عشرون سنة أميرا وعشرون أخرى خليفة، وأوصى ابنه يزيد عند موته بقوله: انظر أهل الحجاز فهم عصابتك وعترتك، فمن أتاك منهم فأكرمه، ومن قعد عنك فتعاهده، وانظر أهل العراق فإن سألوك عزل عامل في كل يوم فاعزله عنهم، فإن عزل عامل واحد أهون عليك من سل مائة ألف سيف، ثم لا تدري علام أنت عليه منهم. ثم انظر أهل الشام فاجعلهم الشعار دون الدثار، فإن رابك من عدو ريب فارمه بهم، فإن أظفرك الله فاردد أهل الشام إلى بلادهم لا يقيموا في غير بلادهم، فيتأدبوا بغير آدابهم. وجه نصيحته إلى قلب المملكة الحجاز والعراق والشام؛ لأنها إذا استقامت لا يخشى على الأطراف.
وقد كان معاوية عني في آخر أمره بتخريج يزيد ابنه وولي عهده يستشيره في المسائل الطارئة، ويأخذ برأيه أحيانا، ويبعث همته على العمل؛ ليتولى الأمر عن كفاءة، وقد علمه أنساب الناس والنجوم والعربية، أقام أستاذا له في ذلك دغفل بن حنظلة الشيباني، ومشى يزيد في إدارته على أثر أبيه، فكان لا يضن بالمال مهما عظم في سبيل الخلافة. وفد عليه عبد الله بن جعفر فقال له: كم كان عطاؤك؟ فقال له: ألف ألف. قال: قد أضعفناها لك. قال: فداك أبي وأمي، وما قلتها لأحد قبلك. قال: قد أضعفناها لك ثانية. فقيل ليزيد: أتعطي رجلا واحدا أربعة آلاف ألف؟! فقال: ويحكم! إنما أعطيتها أهل المدينة أجمعين، فما يده إلا عارية. وما زال يزيد يزيد في إعطائه لمنزلته، ولأنه يريد أن يتألف بواسطته أهل المدينة، ويرفع يد ابن الزبير عنها وعن دعوى الخلافة.
وما أثر عن يزيد أنه غير شيئا من أصول إدارة أبيه؛ لاستغراق حرب الحسين بن علي في العراق وعبد الله بن الزبير في الحجاز معظم أوقاته، أما ابنه وخليفته معاوية الصغير أو الثاني فكانت خلافته أياما، وما أراد أن يدخل في شيء من مهامها.
Bog aan la aqoon