274

والجواب عن هذه الشبه: أما إيهامهم أنهم لم يجدوا للأئمة في الأصولين مثل الذي وجدوا للمعتزلة فلو وقفوا على كتب الأئمة وعقلوا ما فيها لعلموا أن الذم للمعتزلة في إتيانهم بغير ما في الكتاب والسنة، وفي كتب الأئمة أولى من مدحهم لأجل إتيانهم بما لا يعقل وبما يعلم كونه محالا على ما تقرر فيما سلف وليس أحد من العلماء المخالفين إلا وفي كتبهم من البدع ما لا يوجد للأئمة مثله فلا معنى لتخصيص المعتزلة فيما خالفوا الأئمة به لأجل تسميتهم له علما، وأما إيهامهم أنهم لم يتبعوهم في ذلك الأمر إلا من طريق النظر والاستدلال لا من طريق التقليد فخلاف ذلك ظاهر لأنهم إن زعموا أنهم نظروا واستدلوا على صحة علوم المعتزلة قبل تعلمهم فيها فذلك محال إذ لا طريق لهم إلى ذلك إلا أخبار الغير لهم عنه وإن زعموا أنهم نظروا في صحتها واستدلوا بعد تعلمهم فيها فقد قلدوا من علمهم في بدء أمرهم وفي حال اتباعهم له حتى أدخلهم في مذهبه، وأما إيهامهم أنهم لو اكتفوا بعلوم الأئمة للزمهم التقليد والتفريط فغلاطهم في ذلك بين لأن الأئمة لا يعلمون من اتبعهم إلا في معقول بينة أدلته أو مسموع منصوص عليه أو فيما يجب رده إليهم كما يجب رده إلى الرسول لأن الله سبحانه قد أخبر أنهم لو ردوه إليهم لعلموه وذلك يعم كل مختلف فيه معقولا كان أو مسموعا لأن الله أدخل حرف من الذي هو للتبعيض على اسم شيء الذي هو أعم النكرات في قوله تعالى{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله}(الشورى:10) فوجب أن يستغرق لكونه عموما لا مخصص له وحكم الله سبحانه وتعالى في كل مختلف فيه أن يرد إلى الكتاب أو السنة إن عدم في الكتاب، أو إلى أولي الأمر إن عدم في السنة، وأما اعتذارهم للأئمة في التقصير عن بلوغ درجة المعتزلة في علوم الدين بأنهم قنعوا بالجمل واشتغلوا بالجهاد فذلك قول من لا يعرف الجمل ولا شروط الجهاد لأن تلك الجمل التي زعموا أنهم قنعوا بها هي منتهى ما يعقل ويجب ولا متعد بعدها لعقل مكلف من البشر إلا إلى الغلو والإفراط والخوض والتوهم المنهي عن تكلفه والخوض فيه، ولأن الجهاد للنفس عن التقصير مقدم على الجهاد للغير والجهاد بالسيف فرع على الجهاد بالعلم لأن من شرط الإمام الذي يجب عليه الجهاد أن يكون سابقا والسابق لا يوصف بأنه قانع في علوم الدين بالجمل لكون القانع بالجمل مسبوقا ومع ذلك فإن أكثر الأئمة عليهم السلام لم يكن لهم شغل إلا الجهاد بالعلم دون الجهاد بالسيف لقلة الأتباع وخذلان الأشياع.

وأما قولهم: أن المعتزلة شيوخ لكثير من الأئمة في العلم فإن أرادوا بذلك الإيهام بأن الأئمة محتاجة إلى المعتزلة في علوم الدين فذلك خلاف ما اقتضته أدلة الكتاب والسنة وانعقد عليه إجماع العترة، وإن أرادوا أن من الأئمة من قرأ في علوم المعتزلة على شيوخهم فليس لهم في ذلك حجة لأنه يجوز أن يقرأ في كل فن من سائر العلوم على شيوخ أهله إذا كان فيه صلاح، وإن أرادوا أن من العترة من اعتزل فلو صح ذلك لم يكن لهم فيه حجة لأن الله سبحانه قد أخبر أن من العترة من هو ظالم لنفسه.

Bogga 331