192

والدليل على ذلك المذهب الصحيح وهو قول جمهور العدلية قوله تعالى{ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا}(الجن:23) فتوعد الله كل عاص على سبيل العموم بالخلود في النار، والخلود هو الدوام بدليل قوله تعالى{وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفئن مت فهم الخالدون}(الأنبياء:34) فنفى تعالى في هذه الآية أن يكون لأحد من البشر خلود في هذه الدنيا ومعلوم أنه لم ينف بذلك البقاء المنقطع لأن كل واحد منهم قد بقي بقاء منقطعا ولا يرد ما يقال خلد السلطان فلانا في السجن والمراد البقاء المنقطع لأنا نقول حقيقة الخلود هو الدوام فإن استعمل في غيره فعلى سبيل المجاز فيكون ذلك مجازا. وقوله تعالى{إن الأبرار لفي نعيم، وإن الفجار لفي جحيم، يصلونها يوم الدين، وما هم عنها بغائبين}(الإنفطار:13،14،15،16) فحكم بعدم غيبوبة الفجار عن النار، والفجار يطلق على الكفار والفساق. وهاتان الآيتان عامتان كما ذكرنا، وإذا ثبت ذلك علمنا أنهما تدلان على دخول كل عاص النار وعلى دخول كل فاسق وفاجر النار وخلودهم فيها ومثلهما قوله تعالى{بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}(البقرة:81) والفاسق قد أحاطت به خطيئته إذ معنى أحاطت الخطيئة زيادة عقابها على ثوابه إذ لا معنى لها هنا إلا ذلك (فوجب خلوده) في النار والخلود الدوام، وقوله تعالى{ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه}(النساء:93) إلى غير ذلك من الآيات العامة بالوعيد للكافر والفاسق ولا يعلم مخصصا صحيحا ، وإذا كانت عامة ولا مخصص لها وجب حملها على ظاهرها، وإذا وجب حملها على ظاهرها فهي قاضية بالوعيد بتخليد العصاة في النار، فلو جوزنا إخلافه كشف عن الكذب وهو قبيح ضرورة والله لا يفعل القبيح.

Bogga 228