189

والدليل على ذلك المذهب الصحيح من جهة العقل ومن جهة السمع، أما العقل فهو أنا نعلم تلازم الذم والعقاب لاتحاد مقتضيهما ولأن الذم فيه إضرار واستخفاف وهو لا يحسن إلا للمستحق، وإذا ثبت تلازمهما فمن المعلوم من أحوال الكفار حسن ذمهم دائما وهذا لا خلاف فيه، فيجب أن يكون العقاب مستحقا كذلك، وهكذا الكلام في الفساق ولكن ليست هذه المسألة مسألتهم،فأما السمع وهو ما نعلمه ضرورة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدين بذلك ويخبر به، فإن من المعلوم الذي لا شك فيه أنه كان يتوعد من كان خالفه وجحده ما جاء به بالنار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين،وهو صلى الله عليه وآله وسلم لا يدين إلا بالحق ولا يخبر إلا بالصدق لشهادة المعجز بصدقه كما مر، وقد ورد به القرآن الكريم قال تعالى{فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكافرين}(البقرة:24) وقال تعالى بعد ذكر الفجار{وما هم عنها بغائبين}(الإنفطار:16) والفجار يشمل الكفار والفساق بالإجماع وهذا صريح في الدوام والتأبيد، إذ لو انقطع لكانوا قد غابوا عنها وغير ذلك من الآيات اللاتي سيأتي ذكرها في مسألة الإرجاء إنشاء الله تعالى، وكذلك السنة دالة على ذلك فإنها قد وردت به الأخبار كما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(من تحسا سما فسمه في يده يتحساه في النار خالدا فيها مخلدا)وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(من تردى من جبل فهو يتردى من جبل في النار خالدا فيها مخلدا) وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:(من وجى نفسه بحديدة فحديدته في يده يجابها بطنه في النار خالدا مخلدا ومن علق سوطا بين يدي سلطان جائر جعل الله ذلك السوط حية طولها سبعون ذراعا تسلط عليه في نار جهنم خالدا فيها وله عذاب أليم) وهذا على سبيل الاستظهار وإن كانت هذه الأحاديث لا تصلح حجة في هذا المقام. وهو إجماع المسلمين في الصدر الأول وفي من كان قبل هؤلاء المخالفين حتى أحدثوا هذا القول، فالإجماع حجة واجبة الاتباع لقوله تعالى{ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ماتولى}(النساء:115) وقوله صلى الله عليه وآله وسلم:(لا تجتمع أمتي على ضلالة) والعترة مجمعة على ذلك أيضا وإجماعهم حجة واجبة الإتباع على ما ذلك كله مقرر في مواضعه من أصول الفقه. فثبت بذلك الذي ذكرنا من الأدلة القطعية خلود الكفار في النار وبطل قول المخالفين.

Bogga 225