158

قلنا:خلاف المجمع عليه عن أهل اللسان العربي ولعدم الاحتياج إلى نصب القرينة عند إطلاقه على المسموع، ولو سلم لزم جعل للتفاسير ماله من الأحكام إذ هي عبارة عنه، وقال تعالى{وإذا قرء القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون}(الأعراف:204) وقال تعالى{إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد}وقوله تعالى{إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى}(الأحقاف:30) وقوله {إنا لما سمعنا الهدى آمنا به}(الجن:13) إلى غير ذلك من الآيات، ثم نقول لهم أخبرونا عن الكلام الذي سمعه موسى من الشجرة هل سمع الشجرة ولم يسمع الكلام أو سمع الكلام؟ فإن قالوا سمع الشجرة ولم يسمع الكلام، أحالوا وخالفوا جميع الأئمة والأمة ويلزم أن تكون الشجرة هي الحجة دون الكلام فلم يبق إلا أن يكون المسموع هو الكلام الذي خلقه الله وجعل محله الشجرة وذلك هو الحجة. وقال (رسول الله) صلى الله عليه وآله وسلم(إني تارك فيكم ماإن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي إن اللطيف الخبير نبأني أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض) وقال صلى الله عليه وآله وسلم(زينوا القرآن بأصواتكم فإن الصوت الحسن يزيد القرآن حسنا) إلى غير ذلك من الأخبار، وأما قولهم أن كلام الله تعالى معنى قديم وأزلي، فذلك قول باطل لأنا قد بينا أنه لا قديم سوى الله تعالى، وأما قولهم أنه قائم بذات الباري تعالى ، فإن أرادوا بذلك أنه حال فيه كما يقال الكون قائم بالجسم أي حال فيه، فذلك قول باطل لأن الحلول لا يجوز إلا على المحدثات وإن أرادوا بالقيام بالذات الحفظ كما قال تعالى{أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}(الرعد:33) أي حافظ، فذلك لا يجوز على مذهبهم لأنه متى كان قديما لم يحتج إلى من يحفظه.

وإن قالوا: أنا نريد أنه موجود به.

قيل لهم: إن أردتم بذلك أنه فاعل له كما يقال السماوات والأرض موجودة بالله تعالى بمعنى أنه الفاعل لهما فذلك هو الذي نقول لكنه يبطل مذهبكم من القول بقدمه، وإن أردتم أنه لولا الله لما وجد القرآن فهو أيضا يحصل منه غرضنا وهو القول بحدوثه لكن هذا اللفظ لا يصح إطلاقه لأنه ليس يلزم فيما وقف وجوده على وجود غيره أن يقال أنه قائم بذاته، ألا ترى أن العلم يحتاج في وجوده إلى الحياة ولا يصح أن يقال أن العلم قائم بذات الحياة فيبطل قولهم بإثبات كلام قائم بذات الباري. فثبت بذلك الذي قررناه من الأدلة ونفي شبه المخالفين، أن القرآن كلام الله دون أن يكون كلاما لغيره وبطل ما قاله المخالف.

المسألة التاسعة عشرة أن هذا القرآن

الذي هو بقيام الأدلة القطعية كلام الله محدث هذا هو مذهب أهل العدل وغيرهم. وقالت الحشوية: بل القرآن هو الذي نقرؤه في المصاحف ونتلوه في المحاريب قديم. وأما الأشعرية والكرامية فإنهم يوافقوننا في أن هذا المتلو فيما بيننا محدث وإنما يخالفوننا في إثبات الكلام النفساني القائم بذات القديم ويجعلونه قديما كما تقدم من حكاية مذهبهم وإبطال مقالتهم. وأما المطرفية فعندهم أن هذا القرآن ليس بمحدث ولاقديم ويقولون: أنه حدوث وكذلك قولهم في سائر الأعراض . قال الجمهور من القائلين بأنه محدث: ويوصف أيضا بأنه مخلوق. وقال محمد بن شجاع من علماء المعتزلة وبه قالت الأشعرية والكرامية: لا يوصف بأنه مخلوق وإن كان معنى الخلق حاصلا فيه لإيهامه أنه مكذوب لأن الخلق قد يستعمل في اللغة بمعنى الكذب نحو {وتخلقون إفكا}(العنكبوت:17) ونحو {إن هذا إلا اختلاق}.

Bogga 190