فالكلام الخالي من التعقيد اللفظي ما سلم نظمه من الخلل، فلم يكن فيه ما يخالف الأصل من تقديم أو تأخير أو إضمار أو غير ذلك، إلا وقد قامت عليه قرينة ظاهرة، لفظية أو معنوية، كما سيأتي تفصيل ذلك كله وأمثلته اللائقة به١.
والثاني ما يرجع إلى المعنى، وهو ألا يكون انتقال الذهن من المعنى الأول إلى المعنى الثاني -الذي هو لازمه والمراد به- ظاهرًا٢ كقول العباس بن الأحنف:
_________
١ قال الخلخالي: ذكر ضعف التأليف يغني عن ذكر التعقيد اللفظي. وأجيب بأنه يجوز أن يحصل التعقيد باجتماع عدة أمور موجبة لصعوبة فهم المراد وإن كان كل واحد منها جاريًا على القانون النحوي مثل إلا عمرًا الناس ضرب زيد. وينفرد ضعف التأليف في مثل جاءني أحمد، ويجتمع الضعف والتعقيد في بيت الفرزدق، فبينهما عموم وخصوص من وجه ... وهذا ومن التعقيد اللفظي قول أبي تمام:
ثانيه في كبد السماء، ولم يكن ... كاثنين ثان إذ هما في الغار
وقول المتنبي:
أنى يكون أبا البرايا آدم ... وأبوك والثقلان أنت محمد
وتركيب البيت الصحيح: أنى يكون آدم أبا البرايا وأبوك محمد وأنت الثقلان، وكذلك قول الفرزدق:
إلى ملك ما أمه من "محارب" ... أبوه ولا كانت "كليب" تصاهره
أي: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب ولا كانت تصاهره كليب.
٢ أي أن لا يكون الكلام ظاهر الدلالة على المراد لخلل واقع في انتقال الذهن -أي بسبب بطء نفس السامع في انتقالها- من المعنى الأول الذي هو المعنى الأصلي الحقيقي للكلام إلى المعنى الثاني الملابس له وهو المعنى الكنائي أو المجازي. والحاصل أن من شروط فصاحة الكلام أن يسلم من التعقيد المعنوي بأن لا يكون ما فيه من كناية أو مجاز بعيدًا عن الفهم والوضوح: فإن من شروط فصاحة الكناية والمجاز قرب فهم المعنى الثاني من أصله الحقيقي، وإلا كانا غير فصيحين بحيث يفتقر في فهمه إلى وسائط مع خفاء القرينة، فالمدار في صعوبة الفهم على خفاء القرينة كثرت الوسائط أو لا، وخفاء القرائن أو عدم خفائها بحسب جريان الكلام على أسلوب البلغاء أو عدم جريانه، وسبب الخفاء إيراد اللوازم البعيدة المفتقرة إلى الوسائط الكثيرة مع خفاء القرائن الدالة على المقصود بسبب عدم جريان الكلام على أسلوب البلغاء، فلو كانت القرينة ظاهرة فلا خلل تعددت الوسائط أم لا. هذا وتجد الكلام على التعقيد المعنوي في دلائل الإعجاز صحيفة ٢٠٧.
1 / 33