والدليل على صحة ما قلنا من معنى اللغة والإعراب، والفرق بينهما، أنه ليس كل من عرف الإعراب (و) فهم وجوه الرفع والنصب والخفض والجزم، أحاط علمًا باللغة كلها ولا فهمها. ولا من فهم من اللغة قطعة ولم يُرش نفسه في تعلّم الإعراب، عرف الإعراب، ولا درى كيف مجاريه. وهذا بيّن واضح.
وأما الغريب فهو ما قل استماعه من اللغة. ولم يدُر في أفواه العامة، كما دار في أفواه الخاصة كقولهم: صكمت الرجل أي لكمته. وكقولهم للشمس يوح، وقولهم رجل ظروري للكيِّس. وقولهم للقصير الغليظ ظُرُبِّ. وقولهم فلان مخرنبق لينباع أي مطرق ليثب، وقيل ساكت، وقيل منتظر فرصة.
وهذا كثير جدًا، وهذا وما أشبهه، وإن كان عربيًا عند قوم، فهو معروف عند العلماء، وليس كل العرب يعرفون اللغة كلها، غريبها وواضحها ومستعملها وشاذها، بل هم في ذلك طبقات يتفاضلون فيها. كما أنه ليس كلهم يقول الشعر ويعرف الأنساب كلها، وإنما هو في بعض دون بعض. وأما اللغة الواضحة المستعملة سوى الشاذ والنوادر، فهم فيها شرع واحد.
1 / 92