الإيضاح للشيخ الأجل الأقدم الفضل بن شاذان الأزدي النيسابوري المتوفى سنة 260 ه عنى بتحقيق الكتاب وخرج أحاديثه وقدم له السيد جلال الدين الحسيني الأرموي المحدث
السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون 1 والحمد لله الذي اصطفى محمدا " لرسالته، وارتضاه لنفسه، وائتمنه على وحيه، وابتعثه نبيا إلى خلقه رحمة للعالمين، يبشر بالجنة من أطاعه، وينذر بالنار من عصاه إعذارا " وإنذارا "، وأنزل عليه كتابا " عزيزا " 2 لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد 3 احتجاجا " على خلقه بتبليغ حجته وأداء رسالته، وإنفاذ حكمه وإقامة حدوده، وتحليل حلاله وتحريم حرامه، آمرا " بطاعته ناهيا " عن معصيته، قد أكمل 4 له دينه، وهداه لرشده وبصره من العمى، وعصمه من الضلالة والردى [وأقامه على المحجة البيضاء 5] يقول الله - عز وجل -: إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبورا " * ورسلا " قد قصصناهم عليك من قبل ورسلا " لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما * رسلا " مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزا حكيما 6 ويقول عز وجل: وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين 7 وقال
Bogga 1
عز وجل: إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما " 1 وقال عز وجل: قل إني على بينة من ربي وكذبتم به ما عندي ما تستعجلون به إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين 2 [وقال: وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة " لقوم يؤمنون 3 وقال:
وما اختلفتم فيه من شئ فحكمه إلى الله 4 وقال: وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون 5] وقال: أن أحكم بينهم بما أنزل الله وتتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون * أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون 6.
فبلغ صلوات الله عليه وآله رسالات ربه، وصدع بأمره، وصبر على حكمه وأوذي في جنبه، وجاهد في سبيله، ونصح لأمته، ورؤف بالمؤمنين، وغلظ على الكافرين، وعبد الله حتى أتاه اليقين 7 فصلى الله عليه وآله الطيبين الطاهرين وعلى جميع الأنبياء والمرسلين وبلغه أشرف محل المكرمين [آمين رب العالمين 8].
Bogga 2
أما بعد (الاختلاف والنظر) فإنا نظرنا فيما اختلفت فيه الملة 1 من أهل القبلة حتى كفر بعضهم بعضا " وبرئ بعضهم من بعض وكلهم ينتحل الحق ويدعيه فوجدناهم في ذلك صنفين لا غير، فأحدهما المتسمون 2 بالجماعة المنتسبون إلى السنة وهم في ذلك مختلفون في أهوائهم وأحكامهم وآرائهم، وحلالهم وحرامهم، وبعضهم في ذلك راض ببعض يجيزون شهاداتهم ويصلون خلفهم ويقبلون 3 الأحاديث عنهم ويزكونهم غير أنهم قد أجمعوا على خلاف الصنف الآخر وهم الشيعة فلم يقبلوا شهاداتهم ولم يزكوهم ولم يصلوا خلفهم ولم يقبلوا الأحاديث عنهم.
التمييز بين الصنفين فنظرنا فيما الصنف الأول عليه مقيمون وبه متمسكون وبه يدينون، الذي تسموا له بالجماعة وانتسبوا به إلى السنة فوجدناهم يقولون 4: إن الله تبارك وتعالى لم يبعث نبيه محمدا " - صلى الله عليه وآله - إلى خلقه بجميع ما يحتاجون إليه من أمر دينهم وحلالهم وحرامهم ودمائهم ومواريثهم وفروجهم ورقهم وسائر أحكامهم
Bogga 3
وأن رسول الله - صلى الله عليه وآله - لم يكن يعرف ذلك أو عرفه فلم يبينه لهم [وتركهم في عمى وشبهة 1] وأن الصحابة 2 من بعده وغيرهم من التابعين استنبطوا ذلك 3 برأيهم وأقاموا أحكاما " 4 سموها سنة أجروا الناس عليها منعوهم أن يجاوزوها إلى غيرها، وهم فيها مختلفون يحل بعضهم منها 5 ما يحرمه بعض ويحرم بعضهم ما يحله بعض [فمن خالفهم فيها وعابها فهو 6] عندهم منسوب إلى البدعة والهوى خارج من الجماعة والسنة غير مرضى، ولا مقبول الشهادة ولا مزكى ولا يصلى خلفه، مدفوع عن كل خير ولا شئ عنده من الفضل، والراضي بها منسوب إلى السنة والجماعة، ومقبول الشهادة غير مدفوع عن شئ من الفضل فهم للرأي في الدين 7 مستعملون 8، فبه يحلون و يحرمون، وينكحون ويفرقون، ويقتلون ويستحيون، ويعتقون ويسترقون، و يعاقبون ويعفون ووجدناهم مع ما أجمعوا عليه من هذا القول مختلفين في عمود التوحيد.
أقاويل الجهمية فمنهم الجهمية الذين يقولون: إن الله لا في السماء ولا في الأرض ولا بينهما،
Bogga 4
ولا أين ولا حيث [ولا حد 1] ولا طول ولا قصر ولا عرض ولا نهاية ويقولون: إنه هواء، فهو عندهم داخل معهم في كل شئ لا كدخول الشئ في الشئ وخارج من 2 كل شئ لا كخروج الشئ من 3 الشئ فهو عندهم داخل فيهم وفي كل ذي روح 4 على معناهم الذي وصفوا وتوهموا فيجب عليهم عند أنفسهم كما يوجبون على الناس أن يعبدوا ما هو فيهم وما في كل ذي روح من الهواء.
ولا يقرون بمنكر ولا نكير ولا بعذاب القبر ولا بميزان ولا صراط، ويقولون:
إذا قمت تصلي فلا تتوهم شيئا، فإن توهمت شيئا فقد كفرت، ويقولون في الجملة ليس كمثله شئ ثم يصفونه بصفة العدم وصفة لا شئ، ويقولون: لا يزول ولا يتحرك ولا يتكلم ولا يأمر ولا ينهى [أنما يخلق خلقا " يتكلم ويأمر وينهى 5] فهو جل ثناؤه عندهم بمنزلة الموات 6 ويزعمون أنهم يكفرون بالذي قال لموسى [: إني أنا ربك 7 فلا يعبدونه، ولا يعبدون الذي قال لموسى 8:] إني أنا الله رب العالمين، [والذي قال لموسى: إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني 9] ويكفرون بعبادة الذي كلم 10 موسى تكليما " 11 ويقولون: ليس هو فوق كل شئ ولا هو تحت كل شئ، ويقولون:
بسطك يديك في الدعاء إلى السماء كبسطك إياهما إلى الأرض.
أقاويل المعتزلة ومنهم المعتزلة الذين يقولون في التوحيد وعذاب القبر والميزان والصراط
Bogga 5
مثل قول الجهمية، ويقولون: إن الله لم يقض ولم يقدر علينا خيرا " ولا شرا " ولا قضاء ولا قدرا "، ويقولون: إن الجنة والنار لم تخلقا بعد، ويقولون: إن شئنا زاد الله في الخلق وإن شئنا لم يزد لأن سبب النشأ والولد 1 إلينا 2، إن 3 شئنا فعلنا وإن لم نشأ لم نفعل، ويقولون: إن الله لم يخلق الشر [وأنه يكون ما لا يشاء الله وأن الله لا يشاء الشر 4] ولا يشاء 5 إلا ما يحب فلزمهم 6 [أن يقولوا 7:] إن الله خلق الكلاب والخنازير وإن الله يحبهما، أو يقولوا: إن الله لم يشأهما ولم يخلقهما فيكونون بذلك قد صدقوا المجوس في قولهم، تعالى الله عز وجل عما يقولون علوا " كبيرا ".
أقاويل الجبرية ومنهم أهل الجبر 8 الذين يقولون: إن الله عز وجل كلفنا ما لا نطيق وإن لم نفعله 9 عذبنا، وإنما نحن بمنزلة الحجارة [المنقولة 10] إن حركت تحركت وإن لم تحرك لم تتحرك، قالوا: وإنما قولنا: فعل الرجل إذا زنى أو سرق أو قتل أو لاط، بمنزلة قولك، مات وعاش، وليس هو مات وعاش وإنما أميت وأعيش فهم 11 يحملون ذنوبهم على ربهم ويقولون: لم يكن الزاني يستطيع أن لا يزني، وكذلك كل
Bogga 6
معصية، ويزعمون [أن كل شئ بخلاف قولهم فهو كفر 1] بالله العظيم.
أقاويل أصحاب الحديث 2 [ومنهم أصحاب الحديث 3] [عامة أصحاب الحديث مثل سفيان الثوري و
Bogga 7
يزيد بن هارون وجرير بن عبد الله ووكيع بن الجراح 1] وأشباههم من العلماء الذين
Bogga 8
يروون أن النبي - صلى الله عليه وآله - قال: لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر 1 [فهم
Bogga 9
على معنى ما رووا أن الله هو الدهر 1] لا يعيبون 2 أن يقولوا: يا دهر 3 ارحمنا، ويا دهر 4 اغفر لنا ويا دهر 5 ارزقنا، يضاهون ما قالت اليهود: إنهم يعبدون الله الذي عزير ابنه،
Bogga 10
والنصارى الذين قالوا: نعبد الله الذي المسيح ابنه، ويروون أن الله خلق الملائكة من شعر ذراعيه وصدره 1، [ويروون أن الله خلق نفسه من عرق الخيل 2] ويروون
Bogga 11
أن النار لما استعرت وضع الله قدمه فيها فقالت: قطي قطي 1 أي حسبي حسبي 2.
Bogga 13
ويروون في قول الله تعالى: فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا " 1، أنه أطلع أنملة خنصره 2 ويروون عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنه قال: لا تسبوا الريح فإنها من نفس الرحمن 3. ويروون أن رجلا " جلس معتمدا " على كفيه من خلفه فقال له
Bogga 14
بعض علمائهم: لا تجلس هذه الجلسة فإنها جلسة رب العالمين 1 تعالى الله عما يقول الجاهلون علوا " كبيرا ".
[و 2 رووا أن النبي - صلى الله عليه وآله - قال: رأيت رب العالمين في قبة حمراء ورأيته مرجلا " 3، رواه عكرمة عن ابن عباس. ورووا أن الله عز وجل:
Bogga 15
يجيئ عشية عرفة على جمل أحمر عليه رداء هش 1، رواه أبو صالح عن أبي هريرة ثم قال أبو صالح: وا فضيحتاه.
Bogga 16
ورووا أن الله عز وجل فوق العرش له أطيط كأطيط الرحل
Bogga 17
بالراكب 1، رواه أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وآله - ورووا عنه عن
Bogga 18
النبي - صلى الله عليه وآله - أنه قال: رأيت ربي في روضة خضراء فرأيته جعدا "
Bogga 19
قططا 1، ورووا عن أم الطفيل امرأة أبي بن كعب عن النبي - صلى الله عليه وآله - أنه قال:
Bogga 20
رأيت ربي 1 وفي رجليه نعلان من ذهب، ورووا عن عبد الله بن مسعود أنه قال:
Bogga 21