216

أخبرنا أبو الحسن، أخبرنا أبو أحمد، أخبرنا ابن دريد، حدثنا أبو حاتم، عن أبي عبيدة، قال: بعث معاوية إلى عبد بن مارية الجرهمي، وكان من المعمرين، فقال له: ما أدركت؟ قال: يوما شبيها بيوم قبله، وليلة شبيهة بأختها، ومولودا يولد، وحيا يموت. فقال: خبرني بأعجب شيء رأيت؟ فقال: كنت في جنازة رجل فذكرت الموت والبلى فخنقتني العبرة فتمثلت:

يا قلب ، إنك في أسماء مغرور .... فاذكر وهل ينفعنك اليوم تذكير

استقدر الله خيرا وارضين به .... فبينما العسر إذ دارت مياسير

وبينما المرء في الأحياء مغتبطا .... إذ صار في الرمس تعفوه الأعاصير

حتى كأن لم تكن إلا بذاكرة .... والدهر أيتما دهر دهارير

يبكي عليه غريب ليس يعرفه .... وذو قرابته في الحي مسرور

وقال لي رجل من أهل الجنازة ومشيعيها: أتعرف لمن الشعر؟ فقلت: لا. قال: هو لهذا المدفون، وأنت الغريب تبكي عليه، وأقاربه الذين يرثونه مسرورون.

* وقد كان في بعض الأخبار رجل متنسك صالح مات فلما دفن كان في ذلك الحي مجنون فجاء، حتى وقف على شفير القبر فحرك رأسه، ثم أنشأ يقول:

وصف الطبيب دواءه .... فهم بذاك يعالجونه

يرجون صحة جسمه .... هيهات مما يرتجونه

قال الراوي: فأبكى من هناك فلما فرغنا من دفنه دخلت الجبان أطلع في ألواح القبور فإذا في لوح مكتوب:

أيها الغافل عني اتعظ .... وارفض الدنيا لربي واحتفظ

من حدود الله ما عنه نهى .... وازجر النفس عن الدنيا وعظ

إنما الدنيا بلاغ ذاهب .... ولدى الله رغيبات وحظ

ثم سمعت دبيبا خلفي وحركة فإذا شيخ فقلت: يا شيخ، عظني، وأوجز فقال:

أرى الدنيا تجهز بانطلاق .... مشمرة على قدم وساق

فما الدنيا بباقية لحي .... ولا حي على الدنيا بباقي

فقلت له: زدني فقبض على عضدي وأشار إلى قبر وأنشأ يقول:

Bogga 248