316

{ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا}: ومن: مبتدأ موصول، أو نكرة موصوفة، وأفرد يتخذ حملا على لفظ من، ومن دون الله متعلق بيتخذ، ودون هنا بمعنى غير، وأصلها أن يكون ظرف مكان، وهي نادرة التصرف إذ ذاك. قال ابن عطية: ومن دون: لفظ يعطي غيبة ما يضاف إليه دون عن القضية التي فيها الكلام، وتفسير دون بسوى، أو بغير، لا يطرد. انتهى. تقول: فعلت هذا من دونك، أي وأنت غائب. وتقول: اتخذت منك صديقا، واتخذت من دونك صديقا. فالذي يفهم من هذا أنه اتخذ من شخص غيره صديقا. وتقول: قام القوم دون زيد. فالذي يفهم من هذا: أن المعنى أن زيدا لم يقم، فدلالتها دلالة غير في هذا. والذي ذكر النحويون، هو ما ذكرت لك من كونها تكون ظرف مكان، وأنها قليلة التصرف نادرته. وقد حكى سيبويه أيضا أنها تكون بمعنى رديء، تقول: هذا ثوب دون أي رديء، فإذا كانت ظرفا، دلت على انحطاط المكان، فتقول: قعد زيد دونك، فالمعنى: قعد زيد مكانا دون مكانك، أي منحطا عن مكانك. وكذلك إذا أردت بدون الظرفية المجازية تقول: زيد دون عمرو في الشرف، تريد المكانة لا المكان. ووجه استعمالها بمعنى غير انتقالها عن الظرفية فيه خفاء، ونحن نوضحه فنقول: إذا قلت: اتخذت من دونك صديقا، فأصله: اتخذت من جهة ومكان دون جهتك ومكانك صديقا، فهو ظرف مجازي. وإذا كان المكان المتخذ منه الصديق مكانك وجهتك منحطة عنه وهي دونه، لزم أن يكون غيرا، لأنه ليس إياه، ثم حذفت المضاف وأقمت المضاف إليه مقامه مع كونه غيرا، فصارت دلالته دلالة غير بهذا الترتيب، لا أنه موضوع في أصل اللغة لذلك. وانتصب {أندادا} هنا على المفعول بيتخذ، وهي هنا متعدية إلى واحد، نحو قولك: اتخذت منك صديقا، وهي افتعل من الأخذ.

Bogga 346