بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفوا أحد، تعالى عن الصاحبة والولد، واستغنى عن العدد والعدد، وتقدست عن شبه الخلائق صفته، وارتفعت عن مذاهب العقول عظمته، وأعجزت غوامض الفكر جلالته، ووضحت بالشواهد الساطعة حجته، وظهرت في كل شئ حكمته، أحق الحق بما، نصب من أعلامه ودلالاته، وأوضح من حججه وبيناته، وأبطل الباطل بما أدحض من شبهاته، وأبان عن مشتبهاته.
وصلى الله على عبده المجتبى، ونبيه المصطفى، خير الأنبياء والمرسلين، وأفضل الأولين والآخرين، البشير النذير، الداعي بإذنه والسراج المنير، سيد سادات العرب والعجم، محمد بن عبد الله بن عبد المطلب.
وعلى أوصيائه وأصفيائه الأئمة المهديين المرضيين المنتجبين من أرومته (1)، الحافظين لشريعته، المعصومين من كل دنس ورجس، المفضلين على كافة الجن والإنس، الذين ينتجز الموعود يوم المآب
Bogga 33
بإنجازهم، ولا يجاز الصراط إلا بجوازهم، فهم النمرقة (1) الوسطى، من تقدمهم مرق، ومن تأخر عنهم زهق، ومن لزمهم لحق، وهم كباب حطة، ومثل سفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق وهوى. وهم خاصة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وصفوة عترته الذين قرن الله معرفتهم بمعرفته، وجعل محبتهم في الوجوب كمحبته. وهم دعائم الاسلام، وأئمة الأنام، وحجج المهيمن السلام، سرج في كل ظلام، ودرج إلى كل مرام.
عليهم أفضل الصلاة والسلام ما لاح برق واستهل غمام، وتوسمت الرياض بفرادى نباتها والتوأم.
وبعد:
فإن أشرف الكلام عند الخاص والعام ما وجه إلى أشرف من حاز الله له رواء الملك إلى بهاء العلم، وسناء الحلم، وإمضاء الحكم، لا زال مبرا على ملوك الأرض وولاة النهي والأمر بما آتاه من علو الشأن وجلالة القدر، وميزه بجلائل من المجد (ودقائق من الشرف المعد، وخواص من العدل، وعوام من الفواضل والفضل) (2)، لا يندرج أدناها تحت القدرة والإمكان، ولا ينال أقصاها بالعبارة والبيان، وهذه صفة الاصفهبذ (3) الاجل (الأعظم، الملك المؤيد العادل) (4) شرف الدنيا والدين، ظهير الإسلام والمسلمين، (تاج الملوك والسلاطين، عضد الجيوش في العالمين، قاهر الكفرة والمشركين ، قامع العتاة والمتمردين، علاء الدولة، وبهاء الملة، مجد .
Bogga 34
الأمة، صفوة الخلافة، قطب المعالي) (1) ملك مازندران، خسرو (2) إيران ، اصفهبذ، اصفهبذان، شاه فرشوا ذكر (3)، أبي الحسن علي بن شهريار بن قارن نصرة أمير المؤمنين، أعلى الله شأنه، ونصر سلطانه، وحرس حوباه، وطرز بالنجح لواه، إذ هو باتفاق الأولياء والأعداء، واصفاق القرباء والبعداء، واحد الدهر وثمال (4) أهل العصر، وغرة الأفلاك الدائرة، وعمدة العترة الطاهرة.
لا جرم قد ملكه الله زمام الدهر، وأنفذ حكمه في البر والبحر، وشد به أزر الإسلام، ومهد له أسباب المعدلة في الأنام، وجعل أيامه للزمان أعيادا ومواسم، وللإقبال مباهج ومباسم، متعه الله تعالى بجمال هذه الحال، وأدام له في العباد والبلاد كرائم الإفضال، ومواد النوال، بلطفه وطوله وسعة جوده وفضله.
ثم إن خادم الدعاء المخلص بالولاء وإن سبق في ميدان الفضل فهو عكاشة غايته، وبرز على فرسان العلم فهو عرابة رايته وإن كان قد قصر وهمه وهمه، وجمع وكده (5) وكده - منذ خط الشباب بالمسك عذاره، إلى أن وخط المشيب بالكافور أطراره (6) - على اقتناء العلوم وجمع أفانينها (7)، وضبط قوانينها حتى أصبح مقتطفا من ثمار النحو والأدب زواهرها وغررها، مغترفا
Bogga 35
من بحار أصول الدين وفروعه جواهرها ودررها، فإن كل فاضل وإن بعد في الفضل مداه، وبلغ من كل علم أقصاه، إذا لم يتشرف بتقبيل تراب الحضرة العالية الإصفهبذية العلائية، أدام الله لها العلو والعلا والسمو والسنا والقدرة والبهاء ولم ينسب إلى جملة خدمها، ولم يحسب في زمرة حشمها، فهو ناقص عن حيز الكمال، عادل عن الحقيقة إلى المحال.
لأنها الغاية القصوى التي عجزت عن أن تؤمل ادراكا لها الهمم ما يستحق ملوك الدهر مرتبة إلا لصاحبها من فوقها قدم فرأيه إن دجا ليل الشكوك هدى وظنه إن خطا صرف الردى حرم فلو عدا الكرم الموصوف راحته عن أن يجاورها لم يكرم الكرم جلالة الملك أدنى درجاته، وحماية الدين أقل أدواته، وإكرام ذوي الفضل من الأنام واصطناع الكرام والإنعام على الخاص والعام أشهر صفاته، فالآمال منوطة به، والهمم مصروفة إليه، والثناء والحمد والشكر بأجمعها موقوفة عليه، واستقل بما عجزت الملوك عن حمل أعبائه، وقام بما قعد الدهر عن معاناة عنائه، (بهمة علية) (1)، وعزيمة (2) علانية (3)، وعقيدة علوية، فرد سمل الدين جديدا، وأعاد ذميم الأيام حميدا، بحق أوضحه، وباطل فضحه، وهدى أعاده، وضلال أباده:
فلا انتزع الله العدي حد بأسه ولا انتزع الله الهدي عز نصره وأحسن عن حب النبي وآله ورعى سوام الدين توفير شكره فما يدرك المداح أدنى حقوقه باغراق منظوم الكلام ونثره
Bogga 36
لأن أدنى نعمه يستغرق جميع الشكر، وأيسر مننه يفوز مدى الوصف والذكر:
فكل أروع من آل (الرسول عدا) * (1) جذلان يرفل من نعماه في حلل فلو أجاب كتاب الله سائله * من خير هذا الورى لم يسم غير علي ولما عاق هذا الداعي المخلص عن (ورود الحضرة) (2) العالية، والوصول منها إلى رواق العز والجلال، والاكتحال بتلك النهجة والجمال عوائق الزحال وعوادي الأصول (3) أراد أن يخدمها بخدمة تبقى عوائدها على تعاقب الأيام وتناوب الشهور والأعوام، فيؤلف كتابا يتضمن أسامي الأئمة الهداة والسادة الولاة وأولي الأمر وأهل الذكر وأهل بيت الوحي، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، ويشتمل على تواريخ مواليدهم وأعمارهم، وطرف من أخبارهم ومحاسن آثارهم، والنصوص الدالة على صحة إمامتهم، والآيات الظاهرة من الله عليهم الشاهدة لتمييزهم عمن سواهم وإبانتهم عمن عداهم. ثم فكر في ذلك وقدر وتأمل وتدبر وقال: إذا كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو الشجرة وهم أغصانها، والدوحة وهم أفنانها، ومنبع العلم وهم عيبته، ومعدن الحكم وهم خزانته، وشارع الدين وهم حفظته، وصاحب الكتاب وهم حملته، فهو أولى بان يقدم في الذكر وتبين آياته الناطقة برسالاته وأعلامه الدالة على نبوته ومعجزاته القاهرة ودلالاته الباهرة.
فاستخار الله سبحانه في الابتداء به، واستعان به في إتمام ما قصده،
Bogga 37
وسماه كتاب إعلام الورى بأعلام الهدى وجعله أربعة أركان:
الركن الأول: في ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
والركن الثاني: في ذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام.
والركن الثالث: في ذكر الأئمة من أبنائه من الحسن بن علي الرضي إلى الحسن بن علي الزكي عليهم السلام.
والركن الرابع: في إمامة الأئمة الاثني عشر والإمام الثاني عشر عليهم السلام.
وكل ركن منها يتضمن أبوابا وفصولا تزهر بما فيها من مكنون العلم ومخزون الحكم، مفصولا وموصولا، وإن من أولى الأمور وأصوبها عند الجمهور أن تحلى مسائل العقائد على أجل معتقديها، وتعرض فرائد الجواهر على أكمل منتقديها، والمأمول المسؤول من الرأي العالي أعلاه الله أن يغدق على هذه الكريمة الجسيمة ويسبل على هذه الرسالة العقيلة النيلة جناح القبول، لينال الداعي المخلص بذلك غاية المرام ونهاية المأمول فاستخرجت درة فإنها خير باكورة جلبت إلى قلوب المؤمنين وأكرم بشارة صبت على أذان الغارمين والله تعالى الموفق للسداد، الهادي إلى الرشاد، وعليه توكلت وإليه أنيب.
Bogga 38
(الركن الأول من الكتاب) في ذكر النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونسبه، ومولده، ومبعثه، ومدة حياته، ووقت وفاته، وبيان أسمائه وصفاته، ودلائل نبوته ومعجزاته، وذكر أولاده وأز واجه وأعمامه وأخواله، ومعرفة بعض غزواته وأحواله.
ويشتمل على ستة أبواب:
Bogga 39
الباب الأول * في ذكر نسبه ومولده وذكر أسمائه ومدة حياته ووقت وفاته يشتمل على ثلاثة فصول:
Bogga 41
الفصل الأول * في ذكر مولده ونسبه إلى ادم عليه السلام ووقت وفاته ولد صلى الله عليه وآله وسلم يوم الجمعة عند طلوع الشمس السابع عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل (1).
(وفي رواية العامة: ولد صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين، ثم اختلفوا فمن قائل يقول لليلتين من شهر ربيع الأول (2)، ومن قائل يقول: لعشر ليال خلون منه (3)، وذلك لأربع وثلاثين سنة وثمانية أ شهر مضت من ملك كسرى) (4) أنو شيروان بن قباد وهو قاتل مزدك والزنادقة ومبيرهم (5) وهو الذي عنى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما يزعمون: ولدت في زمان الملك العادل الصالح (6). ولثمان سنين وثمانية
Bogga 42
أشهر من ملك عمرو بن هند ملك العرب (1).
وكنيته: أبو القاسم.
وروى أنس بن مالك قال: لما ولد إبراهيم ابن النبي من مارية أتاه جبرئيل عليه السلام فقال: (السلام عليك أبا إبراهيم)، أو: (يا أبا إبراهيم) (3).
ونسبه: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب - واسمه شيبة الحمد - بن هاشم - واسمه عمرو - بن عبد مناف - واسمه المغيرة - بن قصي - واسمه زيد - ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان (3).
وروي عنه عليه السلام أنه قال: (إذا بلغ نسبي عدنان فأمسكوا) (4).
وروي عن أم سلمة زوج النبي عليه السلام قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (معد بن عدنان بن أدد بن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى، قالت أم سلمة: زيد هميسع وثرانبت وأعراق الثرى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام؟ قالت: ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه
Bogga 43
وآله وسلم: ﴿وعادا وثمود وأصحاب الرس وقرونا بين ذلك كثيرا﴾ (1) لا يعلمهم إلا الله (2).
وذكر الشيخ أبو جعفر بن بابويه رضوان الله عليه: عدنان بن أد بن أدد ابن يامين بن يشجب بن منحر بن صابوغ بن الهميسع (3).
وفي رواية أخرى: عدنان بن أدد بن زيد بن يقدد بن يقدم الهميسع ابن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام (4).
وقيل: الأصح الذي اعتمد عليه أكثر النساب وأصحاب التواريخ: أن عدنان هو أد بن أدد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ابن تارخ بن ناحور بن ساروغ ابن ارغوا بن فالغ بن عابر) وهو هود عليه السلام ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ (6) وهو إدريس عليه السلام (ابن يارد) (7) بن (مهلائيل) (8) يارد بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم
Bogga 44
عليه السلام أبي البشر (1).
وأمه: آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب ابن لؤي بن غالب.
وأرضعته حتى شب حليمة بنت عبد الله بن الحارث بن شجنة السعدية من بني سعد بن بكر بن هوازن، وكانت ثويبة مولاة أبي لهب بن عبد المطلب أرضعته أيضا بلبن ابنها مسروح وذلك قبل أن تقدم حليمة، وتوفيت ثويبة مسلمة سنة سبع من الهجرة، ومات ابنها قبلها، وكانت قد أرضعت ثويبة قبله حمزة بن عبد المطلب عمه، فلذلك قال رسول الله عليه السلام لابنة حمزة:
(إنها ابنة أخي من الرضاعة) وكان حمزة أسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأربع سنين (2).
وأما جدته أم أبيه عبد الله: فهي فاطمة بنت عمر (و) بن عائذ بن عمران ابن مخزوم.
وأم عبد المطلب: سلمى بنت عمرو من بني النجار.
وأم هاشم: عاتكة بنت مرة بن هلال من بني سليم.
وأم قصي وزهرة: فاطمة بنت سعد من أزد السراة (3).
Bogga 45
وصدع صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة يوم السابع والعشرين من رجب وله يومئذ أربعون سنة.
وقبض صلوات الله عليه وآله يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشر من الهجرة، وهو ابن ثلاث وستين سنة (1).
Bogga 46
(الفصل الثاني) في ذكر أسمائه صلوات الله عليه وشرف أصله ونسبه وأما أسماؤه وصفاته صلوات الله عليه وآله:
فمنها: ما جاء به التنزيل وهو:
الرسول، النبي، الأمي: في قوله: ﴿الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل﴾ (١).
والمزمل والمدثر: في قوله تعالى: ﴿يا أيها المزمل﴾ (٢) ﴿يا أيها المدثر﴾ (٣).
والنذير المبين: في قوله تعالى: ﴿قل اني انا النذير المبين﴾ (٤).
وأحمد: في قوله تعالى: ﴿ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد﴾ (٥).
ومحمد: في قوله تعالى: ﴿محمد رسول الله﴾ (٦).
والمصطفى: في قوله تعالى: ﴿الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس﴾ (7).
Bogga 47
والكريم: في قوله تعالى: ﴿إنه لقول رسول كريم﴾ (١).
وسماه سبحانه نورا: في قوله: ﴿قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين﴾ (٢).
ونعمة: في قوله تعالى: ﴿يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها﴾ (٣).
ورحمة: في قوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ﴾ (٤).
وعبدا: في قوله تعالى: ﴿نزل الفرقان على عبده﴾ (٥).
رؤوفا رحيما: في قوله: ﴿بالمؤمنين رؤوف رحيم﴾ (٦).
شاهدا، ومبشرا، ونذيرا، وداعيا: في قوله تعالى: ﴿انا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا * وداعيا إلى الله باذنه وسراجا منيرا﴾ (٧).
وسماه منذرا: في قوله تعالى: ﴿انما أنت منذر﴾ (٨).
وسماه عبد الله: في قوله تعالى: ﴿وانه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يمونون عليه لبدا﴾ (9).
وسماه مذكرا: في قوله تعالى: (انما أنت مذكر)، (10،.
وسماه طه، ويس.
Bogga 48
ومنها: ما جاءت به الأخبار: ذكر محمد بن إسماعيل البخاري في الصحيح عن جبير بن مطعم قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعده أحد) (١).
وقيل: أن الماحي الذي يمحى به سيئات من اتبعه.
وفي خبر آخر: المقفي، ونبي التوبة، ونبي الملحمة، والخاتم، والغيث، والمتوكل (٢).
وأسماؤه في كتب الله السالفة كثيرة منها: مؤذ مؤذ بالعبرانية في التوراة، وفارق في الزبور (٣).
وروى أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في كتاب دلائل النبوة:
بإسناده عن الأعمش، عن عباية بن ربعي، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله عز وجل قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسما، وذلك قوله في: ﴿وأصحاب اليمين﴾ (4) (وأصحاب الشمال) (5) فأنا من أصحاب اليمين وأنا خير أصحاب اليمين. ثم جعل
Bogga 49
القسمين أثلاثا، فجعلني في خيرها ثلثا فذلك قوله: ﴿فأصحاب الميمنة﴾ (١) (وأصحاب المشئمة) (٢) ﴿والسابقون السابقون﴾ (٣) فأنا من السابقين وأنا خير السابقين، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها قبيلة وذلك قوله:
﴿وجعلناكم شعوبا وقبائل﴾ (٤) الآية، فأنا أتقى ولد آدم وأكرمهم على الله ولا فخر، ثم جعل القبائل بيوتا فجعلني في خيرها بيتا وذلك قوله عز وجل: ﴿انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا﴾ (5) فأنا وأهل بيتي مطهرون من الذنوب) (6).
وروى الشيخ أبو عبد الله الحافظ بإسناده، عن سفيان بن عيينة أنه قال: أحسن بيت قالته العرب قول أبي طالب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم:
وشق له من اسمه كي يجله * فذو العرش محمود وهذا محمد (7) وقال غيره: إن هذا البيت لحسان بن ثابت في قطعة له أولها:
ألم تر أن الله أرسل عبده * ببرهانه والله أعلى وأمجد (8) ومن صفاته التي جاءت في الحديث: راكب الجمل، وآكل الذراع، ومحرم الميتة، وقابل الهدية وخاتم النبوة، وحامل الهراوة، ورسول
Bogga 50
الرحمة.
ويقال: إن كنيته في التوراة أبو الأرامل، واسمه صاحب الملحمة (1).
وروي أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: (أنا الأول والآخر، أول في النبوة، واخر في البعثة) (2).
Bogga 51
(الفصل الثالث) في ذكر مدة حياته صلى الله عليه وآله وسلم عاش صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثا وستين سنة، منها مع أبيه سنتين وأربعة أشهر، ومع جده عبد المطلب ثمان سنين، ثم كفله عمه أبو طالب بعد وفاة جده عبد المطلب فكان يكرمه ويحميه وينصره أيام حياته (1).
وذكر محمد بن إسحاق بن يسار: أن أباه عبد الله مات وأمه حبلى، وقيل أيضا: إنه مات والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ابن سبعة أشهر (2).
وذكر أبن إسحاق: قدمت آمنة بنت وهب أم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم به على أخواله من بني عدي بن النجار بالمدينة ثم رجعت به حتى إذا كانت بالأبواء هلكت بها ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن ست سنين (3) وروي عن بريدة قال: انتهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى رسم قبر فجلس وجلس الناس حوله فجعل يحرك رأسه كالمخاطب ثم بكى، فقيل: ما يبكيك يا رسول الله؟ قال: (هذا قبر آمنة بنت وهب استأذنت ربي في أن أزور قبرها فاذن لي فأدركتني رقتها فبكيت) فما رأيته ساعة أكثر باكيا من تلك الساعة (4).
Bogga 52
وفي خبر آخر: (استأذنت ربي في زيارة قبر أمي فأذن لي، فزوروا القبور تذكركم الموت) رواه مسلم في الصحيح (1).
وتزوج بخديجة بنت خويلد وهو ابن خمس وعشرين سنة. وتوفي عمه أبو طالب وله ست وأربعون سنة وثمانية أشهر وأربعة وعشرون يوما. وتوفيت خديجة بعده بثلاثة أيام، وسمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك العام عام الحزن (2).
وروى هشام بن عروة، عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (ما زالت قريش كاعة (3) عني حتى مات أبو طالب) (4) وأقام صلى الله عليه وآله وسلم بمكة بعد البعثة ثلاث عشرة سنة، ثم هاجر منها إلى المدينة بعد أن استتر في الغار ثلاثة أيام وقيل: ستة أيام، ودخل المدينة يوم الاثنين الحادي عشر من شهر ربيع الأول وبقي بها عشر سنين.
ثم قبض صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة (6).
Bogga 53