إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء
Bogga 23
حمدا لمن جعل في أنباء من مضى عبرة لمن حضر وصلاة وسلاما على سيدنا محمد الذي أنار بسيرته وسيرة أصحابه بصائر البشر وبعد :
فإن علم التاريخ من أجل العلوم قدرا وأرفعها شأنا وأسماها رتبة ، تتطلع إليه أرباب الهمم العالية وتتشوق إليه النفوس الفاضلة ، وهو مرآة يبصر بها المرء ما كان في غابر الأعصار ويرى ما دونه الأقدمون من العلوم والفنون وما صنعته يد الإنسان من الأعمال والآثار ، فيدعو ذلك إلى الاتعاظ والاعتبار والتحلي بمحاسن المحسنين والأخيار والتخلي عن مساوي المسيئين والأشرار ، فتهذب بذلك نفسه وتظرف شمائله وتصفو مرآة فكره ويستنير لبه وتتوسع دائرة معارفه وعلمه وتستقيم أموره وتنتظم أحواله وشؤونه.
فالحاجة إليه أمر بديهي لا يحتاج إلى سرد الشواهد وإقامة البراهين والدلائل ، وحسبنا ما قصه الله على رسوله الأعظم صلى الله عليه وسلم من أنباء من مضى تثبيتا لفؤاده وإرشادا لأمته.
ومع شدة الحاجة إليه فإن فيه المهم والأهم ، فالأهم وقوف المرء على تاريخ بلدته التي ولد فيها والأمة التي ينتسب إليها والأماكن التي يجاورها والدولة التي هو من رعيتها.
والأمة التي تجهل تاريخ نشأتها وأحوال أسلافها وحوادث أوطانها وأسباب صعودها وهبوطها تظل هائمة في تيه التأخر هاوية في مهاوي الانحطاط ، تحيق بها الرزايا من كل صوب وتتقاذفها أمواج البلايا من كل جهة ، وتعبث بها أيدي الأغيار ولا حول لها ولا طول.
وعلى قدر معرفتها بتاريخ نشأتها وتضلعها بحوادث من تقدمها يكون رقيها وانتظامها ، إذا تقرر هذا فأقول :
لما كانت حلب الشهباء بلدتي فيها مسقط رأسي وبها مرتع أنسي وكان الكثيرون من فضلائها السابقين وعلمائها الماضين وضعوا لها تواريخ تنبىء بعظمة شأنها ورفيع مجدها ، وكانت الأيام قد شتتت شمل هذه التواريخ ونقلتها إلى غير هذه الديار خصوصا الديار الغربية والمصرية ولم يبق منها في الشهباء إلا نزر يسير وقل من كثير لا يشفي علة ولا يروي غلة.
Bogga 24
ووجدت غير واحد من أبناء وطني من ذوي النباهة وممن تلوح على أساريرهم مخايل النبالة تتطلع نفوسهم إلى معرفة تاريخ بلدهم والوقوف على مآثر أسلافهم ومفاخر آبائهم وما مر على الشهباء من أدوار التقدم والتأخر وما كانت عليه من الحضارة والعمران في العصور السالفة والأزمنة المتقادمة علما منهم بالأمور التي قدمناها والحقايق التي أوضحناها.
رأيت من المحتم علي على قلة بضاعتي وكثرة شواغلي وتوزع بالي أن أضع لها تاريخا يكشف النقاب عمن تولاها وينبىء عمن مضى من أعيانها ، فعزمت على ذلك بعد الاتكال على الله ذي الجلال المتفرد بالبقاء والكمال وشمرت عن ساعد الجد ووجهت لهذا المشروع الخطير ركائب الهمة ، مع علمي بصعوبة ذلك المرتقى وما يعترضه من المشاق ، إلا أن ذلك لم يثن من عزيمتي ولم يقصر من همتي ، وجعلت شعاري قول ذلك الشاعر العربي :
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
ولما قارب الكتاب الإتمام وكاد يفوح منه مسك الختام بعون الملك العلام وسمته ب
إعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء
وقسمته إلى مقدمة وقسمين ، وقسمت المقدمة إلى فصلين ، الفصل الأول في بيان ما وضعه فضلاء الشهباء من التواريخ الخاصة بها ، والفصل الثاني في بيان ما وضعوه من التواريخ العامة مرتبا ذلك على سني وفاة مؤلفيها ، وتكلمت على كل تاريخ بقدر ما أدى إليه بحثي ووصل إليه علمي ، وذكرت المكتبة التي يوجد فيها ذلك الكتاب قاصدا بذلك تسهيل السبيل إليه لمن رام الوقوف أو الحصول عليه :
Bogga 25
* القسم الأول
وهو في ثلاثة مجلدات ، ذكرت فيه من ملك حلب ومن تولاها من حين الفتح الإسلامي [ فتح أبي عبيدة بن الجراح رضياللهعنه ] سنة 16 إلى نهاية سنة 1325 وأخبار ملوكها وأمرائها والحوادث التي حصلت في زمنهم وما لهم من الآثار.
وقد وقفت فيه عند هذه السنة لأن السنة التي بعدها حصل الانقلاب العثماني حيث قام فيها نيازي وأنور وغيرهما من الضباط وثاروا مع الجيش العثماني في جهة سلانيك وقصدوا الأستانة وألزموا السلطان عبد الحميد الثاني إقامة حكومة دستورية وإعادة فتح المجلس النيابي الذي كان أغلقه قبل ذلك بسنين ، وحصل من ذلك الحين إلى السنة التي نحن فيها وهي سنة 1342 حوادث كثيرة خطيرة يطول شرحها تصلح أن تجعل تاريخا على حدة ، ووجدت أني إذا تتبعتها وتتبعت ما له علاقة بهذه الحوادث بالشهباء وما حولها أضعت ما ألزمت به نفسي من التنقيب والبحث دائما عما يتعلق بالشهباء من حوادثها القديمة وتراجم أعيانها السابقين المبعثرة في بطون الكتب والأوراق المفردة الملقاة في زوايا الإهمال في الخزائن. وفي البحث عنها وعما جد من الحوادث الأخيرة إضاعة للجهيتن معا ، فإذا وجدت أن البحث قد بلغ حده وانقطع الأمل من العثور على حوادث الشهباء القديمة وتراجم أعيانها السابقين وكان في الأجل فسحة وفي الوقت متسع وجهت الهمة إلى تدوين ما كان من الحوادث في الشهباء من سنة 1326 إلى المدة التي نكون فيها وجعلته ذيلا على حدة وبالله التوفيق.
** خطتي في هذا القسم :
توخيت في هذا القسم خطة البسط ، فما رأيته من الحوادث في كتابين أخذت الأوسع منهما ، وإذا كان في الأقل زيادة مفيدة التقطتها وأضفتها إلى تلك لتكون الفائدة أتم. أردت بذلك أن يخرج الكتاب عن حد الفهرست التي يقل الاستفادة منها كما هو
Bogga 26
شأن بعض ما رأيته من التواريخ المتقدمة ، لأن في البسط تتجلى الحوادث وتظهر أسبابها وتستبين نتائجها خصوصا لمن كان ثاقب الفكر واسع المدارك.
وفي آخر ولاية كل ملك أو وال ذكرت ترجمته مع ماله من الآثار في هذه الديار ، ولم يشذ عني من هذه التراجم إلا القليل ، وقد تناول الكلام على هذا القسم ذكر حوادث البلاد التي كانت معدودة من معاملات حلب على عهد الدولة العثمانية.
* والقسم الثاني
وهو في أربعة مجلدات ذكرت فيه تراجم أعيان الشهباء ما بين وزير وأمير كبير ومحدث وفقيه وشريف ووجيه وخطيب وطبيب وشاعر وأديب وتاجر وزعيم وغيرهم من ذوي المزايا وأرباب المناقب.
وقد ابتدأت فيه من أوائل القرن الثالث للهجرة لأني لم أقف على تراجم لأحد من أعيان الشهباء قبل ذلك ، ولعلك تجد لهم ذكرا في تاريخ ابن العديم ، وهذا القسم نقف فيه عند السنة التي ينتهي فيها الطبع إن شاء الله تعالى.
** خطتي في هذا القسم :
توخيت في هذا القسم خطة البسط أيضا ، فما رأيته من التراجم في كتابين أخذت أوسعهما وأضفت إليه ما وجدته من الزوائد المفيدة في الثانية ، وانتهجت منهج الاستقصاء بقدر الإمكان ، فلم يقع نظري على ترجمة لحلبي في كتاب من الكتب التي اطلعت عليها إلا ونظمتها في عقد هذا التاريخ ، لأن في هذا الاستقصاء يتسنى لبعيدي النظر استجلاء سير العلم والاجتماع في العصور السالفة فيقايسون بينها وبين هذا العصر أو بين كل عصر وعصر ، وسيظهر لنا الزمان في المستقبل أن الكثير من هؤلاء المترجمين لهم آثار علمية وأوقاف خيرية لم تذكر في تراجمهم إلى غير ذلك من الفوائد.
Bogga 27
وقد التزمت أن لا أذكر إلا من كانت ولادته في الشهباء أو كان ممن توفي فيها ، وأما من نزلها ثم ارتحل عنها أو اجتاز بها فقد ضربت عنه صفحا لأن ذلك مما يطول شرحه ويحتاج إلى مجلدات كثيرة ، وجعلت أعيان كل قرن على حدة مبتدئا من القرن الثالث ( لأني لم أقف على تراجم لأحد منهم قبل ذلك ) إلى هذا العصر مرتبا لهم على مقتضى سني وفاتهم لتكون ترجمة المعاصر مقرونة مع معاصره تقريبا ، وسلسلة حوادثهم متصلة غير منفصلة أو قريبة الارتباط ببعضها ، وجدت أن ذلك أولى من ترتيبهم على حروف المعجم لأن ذلك يجعل من كان من أهل القرن الثالث مع من كان من أهل القرن الثالث عشر وهلم جرا فتختلط القرون ببعضها وتتبعثر سلسلة الحوادث فيصعب على القارىء التمييز ويحصل له من التشويش ما لا مزيد عليه. وما كان مطبوعا من مؤلفات علماء الشهباء أشرت إليه بذكره بين هلالين أثناء الترجمة أو في الذيل وأشرت إلى كثير مما هو غير مطبوع إلى المكتبة التي يوجد فيها هذا الكتاب ليسهل الاستحصال عليه لمن رام ذلك ، وهذا القسم في أربعة مجلدات تبلغ نحو ألفي صفحة ، وتنيف عدد التراجم فيه على ألف وخمسمائة ترجمة.
ومن مزايا تاريخي أني عزوت كل حادثة وكل ترجمة إلى الكتاب المنقولة عنه ، وما تجده غير معزو ، أو بعد كلمة أقول ، فإنه مما أملاه فهمي الفاتر وسطره قلمي القاصر ، قصدت بذلك أن يكون القارىء مطمئن البال وليسهل عليه الرجوع إلى الأصل عند اقتضاء الحال.
ويزيد ما تصفحته من الكتب عن ثلثمائة مجلد هذا غير المجاميع والأوراق المبعثرة التي ظفرت بها في الخزائن وما تلقيته من أفواه الرجال الذين أثق بهم ، ولا تسل عما تكبدته من المشاق وما تجشمته من المتاعب في سبيل الحصول على هذه المواد واقتناص شواردها وجمع شملها المتبدد حتى انتظم منها عقد هذا التاريخ وتراصفت مبانيه
وطالما واصلت ليلي بالسهر
أرعى النجوم لالتقاطي الدرر
على أن ما صرفته من ثمين الوقت وما لاقيته من المصاعب كنت أجده شرابا سائغا وموردا عذبا بجانب الغاية النبيلة التي كنت أقصدها وهي القيام بخدمة بلادي وأبناء وطني بكتاب يوقفهم على تاريخ أوطانهم ومآثر أسلافهم.
Bogga 28
هذا وإني لا أدعي الإحاطة بجميع حوادث الشهباء وجميع تراجم أعيانها في هذه القرون مع أني لم آل جهدا في الحصول على ما أمكن الحصول عليه في الديار السورية لأن ذلك من الأمور المستحيلة ، وعلى فرض إمكان ذلك فإنه موقوف على الحصول على جميع التواريخ التي ذكرناها في المقدمة وعلى مراجعة غيرها من التواريخ التي لم نذكرها في كتابنا. ومن رام الزيادة على ما وضعته فعليه أن يشد الرحال إلى الديار المصرية والرومية والغربية فهناك يجد باب الزيادة مفتوحا أمامه ، خصوصا إذا كان من الواقفين على اللغات الغربية المشهورة ويكون بذلك قد قام بخدمة جلى لمدينة الشهباء والله الهادي إلى سواء السبيل.
وكنت أود وضع قسمين آخرين يكونان متممين لهذا التاريخ أذكر في قسم محلات حلب ، وما في كل محلة من المدارس والجوامع والمساجد والرباطات والخانات وغير ذلك من الأماكن والآثار القديمة ، وأتكلم على كل مكان فأذكر اسم بانيه وواقفه وما وقفه وما هو نوع ذلك الوقف وحالة ذلك المكان الآن وحالة وقفه ، والقسم الثاني أذكر فيه أعمال الشهباء من البلاد والقرى وأحوالها الماضية والحاضرة وما هناك من الآثار القديمة وبقاياها.
ولا ريب أني أكون بذلك أحسنت الصنع وأكملت الوضع ووفيت تاريخ الشهباء حقه ، غير أني وجدت أن هذا العمل العظيم ليس في وسعي أن أقوم به وحدي ويحتاج إلى عدة أشخاص من الواقفين على اللغات الأجنبية والآثار القديمة يقومون بسياحة طويلة في هذه الأماكن ، ويقتضي لهؤلاء نفقات كثيرة لا يقوم بها إلا الحكومة ، فاكتفيت بما وضعته واقتنعت بما جمعته ، ولعل الله يلهم أولي الأمر بالقيام بهذا العمل الجليل في مستقبل الأيام.
هذا وإني أبسط يد الرجاء إلى الناقد البصير أن يسبل ذيل العفو ويصفح عما يجده من التقصير والسهو ، فإن الكمال لله جل جلاله والعصمة لأنبيائه العظام ورسله الفخام.
يا ناظرا فيما قصدت لجمعه
اعذر فإن أخا الفضيلة يعذر
Bogga 29
والله أسأل وبنبيه الأعظم صلى الله عليه وسلم أتوسل أن يجعل سعيي مشكورا وعملي خالصا مقبولا ، إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير. وقد آن أن أشرع بالمقصود بعون الملك المعبود.
Bogga 30
* المقدمة
وفيها فصلان :
* الفصل الأول : فيما وضعه فضلاء الشهباء من التواريخ الخاصة بها :
* (1) الكلام على بغية الطلب
قال العلامة رضي الدين محمد بن الحنبلي المتوفى سنة 971 في خطبة تاريخه « در الحبب في تاريخ حلب » : « اهتم بأمر تاريخ الشهباء جماعة من النبلاء وشرذمة من الفضلاء ، فكان ممن أقدم وكتب لها تاريخا حسنا فيما تقدم : المولى الصاحب صاحب المآثر والمناقب كمال الدين أبو حفص عمر بن أبي جرادة العقيلي المعروف بابن العديم الحلبي الحنفي ، وهو التاريخ الكبير الذي سماه « بغية الطلب في تاريخ حلب » وانتزع عنه تاريخه المسمى بزبدة الحلب في تاريخ حلب ، حتى انتزعنا منه وزدنا عليه سوى ما تلقيناه عنه سنة إحدى وخمسين وتسعماية مختصرنا الذي سميناه بالزبد والضرب في تاريخ حلب ، وكانت وفاته سنة ستين وستماية ». وقال في التاريخ المنسوب لابن الشحنة : « وقد رأيت جماعة من العلماء جمعوا تواريخ لبلادهم على أنحاء شتى بحسب اجتهادهم ولم أر لحلب تاريخا مختصا بذكرها منطويا على بث محاسنها ونشرها ، وهي خليقة بذلك لأنها واسطة عقد الممالك وزمامها الذي من ملكه تصرف فيها بكل الأمور التي تريدها نفسه وتشتهيها ، إلا ما جمعه تاريخا مستوعبا لها الإمام العلامة كمال الدين أبو القاسم عمر بن أحمد بن العديم الحلبي الحنفي فأتقن وأجاد وأطال ، ولم يبيض منه إلا اليسير ، وأطال فيه من ذكر الروايات
Bogga 31
والطرف فجاء معنى قليلا في لفظ كثير ، ولم يسبقه أحد بتاريخ لها على الخصوص وسماه : « بغية الطلب بتاريخ حلب » رتبه على حروف المعجم ، كما أخبرني بذلك الأمير النقيب بدر الدين الحسيني نقيب السادة الأشراف في المملكة الحلبية رحمه الله أن مسودته كانت تبلغ نحو أربعين جزءا كبارا والمبيضة تجيء كذلك ، لكن اخترمته المنية قبل إكمال الأمنية وتفرقت أجزاؤه قبل الفتنة التيمورية ، فلا تجد الآن منها إلا نزرا لم أقف منها إلا على جزء واحد بخطه فيه بعض حرف الميم وفيه ترجمة الملك العادل نور الدين محمود وترجمة جدي الأمير حسام الدين محمود شحنة حلب وبعض تراجم غيرها ، وهو عندي ، وبلغني أنه ذكر في الجزء الأول من خصائص حلب وفضائلها ومعاملاتها ومضافاتها » انتهى.
أقول : إن هذا التاريخ أجل تواريخ الديار الحلبية وأعظمها شأنا وهو بالسند على نسق كثير من تواريخ المتقدمين طالما رأينا من الأجانب الذين يفدون إلى الشهباء يبحثون عنه توصلا إلى الحصول على نسخة أو قطعة منه.
قال صاحب مجلة المشرق في محاضرته التي ألقاها في حلب سنة 1906 م ونشرها في السنة التاسعة من مجلته : وقد عني الأوربيون بنقل تاريخ كمال الدين إلى الإفرنسية ونشره لكثرة فوائده.
وهو مفقود منذ أعصار من هذه الديار ، غير أنا فيما سنتلوه عليك من القول والدلائل يظهر لك أنه قد بيض معظمه بل لم يبق منه في المسودة إلا النزر اليسير ، أعني من سنة 640 إلى سنة 660 وهي السنة التي توفي فيها المؤرخ رحمه الله خلافا لما ذكره في الدر المنتخب من أنه لم يبيض منه إلا اليسير.
يوجد منه جلدان في مكتبة الأمة في باريس رقمهما (2138) ابتدأ فيهما بترجمة إسحق بن منصور وانتهى بترجمة أمين بن عبد الله الأموي ، وهما محرران من نحو 500 سنة ويوجد جزء منه في المتحف البريطاني في لوندره ، ويوجد منه جلد واحد في مكتبة أياصوفيا في عاصمة السلطنة العثمانية ورقمه (3036) وهو في (525) صحيفة بخط حسن وعدة صحف في آخره ممحوة يتعذر قراءتها ، ويغلب على الظن أن هذا الجلد أول التاريخ.
ويوجد في إحدى مكتبات باريس قطعة منه ترجمها إلى الإفرنسية ؟ أبلوش وطبعت سنة 1900 م في مطبعة « ليرو » في (255) صحيفة استحضر نسخة منها أندره
Bogga 32
ماركوبلي أحد الوجهاء الإيطاليين المتوطنين هنا ، وقد أطلعني عليها وترجم لي جانبا منها ، وحوت هذه القطعة المترجمة من سنة 540 إلى سنة 640 أعني إلى قبل وفاة المؤلف بعشرين عاما ، وفي أول هذه القطعة ترجمة نور الدين الشهيد وذكر ما له من الآثار ، وفي آخرها ترجمة جمال الدولة إقبال الخاتوني حينما أتى إلى حلب.
وقد عني مؤرخو الإفرنسيين بجمع ما كتبه مؤرخو الإسلام عن الحروب الصليبية في عشرة مجلدات ضخمة مع ترجمة ذلك إلى اللغة الإفرنسية رأيتها في المكتبة اليسوعية في بيروت ورأيت منها سبعة عند الخواجه هانري ماركوبلي أحد وجهاء الإيطاليين المتوطنين في حلب ذكروا تحت عنوان ( منتخبات من تاريخ حلب لكمال الدين ) حوادث حلب من سنة 490 إلى سنة 541 وهي السنة التي توفي فيها زنكي والد نور الدين الشهيد ، وهي في 57 ورقة ، ثم ذكروا بعدها تحت عنوان ( منتخبات من بغية الطلب ) ترجمة إسماعيل بن بوري المتوفى سنة 529 وترجمة إسماعيل بن نور الدين الشهيد المتوفى سنة 577 وترجمة آق سنقر بن عبد الله المتوفى سنة 487 وترجمة آق سنقر البرسقي المتوفى سنة 520 وترجمة آلب أرسلان بن رضوان المتوفى سنة 508 وهي في 19 ورقة ، وقد أتيت على ما في القطعتين في محالها مما له علاقة بحلب ، وقد وجدت فيهما من التفصيل ما لم أجده في غيرهما ، وذلك مما يحتم علينا تطلب جميع هذا التاريخ والاستحصال عليه لعظيم فوائده.
وأخبرني الفاضل الرحالة خليل أفندي الخالدي من أهالي القدس الشريف في 22 محرم الحرام سنة 1328 حينما مر من الشهباء قاصدا ولاية ديار بكر معينا قاضيا بها أنه وجد في دار الخلافة في المكتبة السلطانية في سراي طوب قبو نسخة كاملة من تاريخ ابن العديم بخط مؤلفه وأن المجلد الموجود في مكتبة أياصوفيا هو بخط المؤلف أيضا وأنه كتب في آخر النسختين أنه سمع منه التاريخ شرف الدين أبو محمد عبد المؤمن الدمياطي ، وعبد المؤمن هذا توفي سنة 705 وهو من تلامذة ابن العديم ومن كبار أئمة الحديث ممن انتهت الرحلة إليه وله ترجمة حافلة في طبقات الشافعية لعبد الرحيم الأسنوي وهي موجودة في المكتبة الأحمدية بحلب.
Bogga 33
والصلاح الصفدي حينما سرد أسماء التواريخ في مقدمة تاريخه ذكر (1) تاريخ ابن العديم ولم يقل إن شيئا منه لم يزل في المسودة.
وقد عده الجلال السيوطي في أوائل تاريخه « بغية الوعاة في طبقات النحاة » من جملة التواريخ التي طالعها ، وقال إنه في عشرة مجلدات ، وقال في آخر تاريخه ما نصه :
وأما الشام فوقفنا على تاريخها لابن عساكر وأعظم به وتاريخ حلب لابن العديم ، ونقل عنه في ترجمة ابن خالويه النحوي ما نصه : رأيت في تاريخ حلب لابن العديم بخطه. قال : رأيت في جزء من أمالي ابن خالويه سأل سيف الدولة جماعة من العلماء بحضرته ذات ليلة : هل تعرفون اسما ممدودا وجمعه مقصور ؟ فقالوا : لا ، فقال لابن خالويه : ما تقول أنت ؟ قلت : أنا أعرف اسمين ، قال : ما هما ؟ قال : لا أقول لك إلا بألف درهم لئلا تؤخذ بلا شكر وهما صحراء وصحارى وعذراء وعذارى ، فلما كان بعد شهر أصبت حرفين آخرين ذكرهما الجرمي في كتاب التنبيه ، وهما صلفاء وصلافى : الأرض الغليظة وخبراء وخبارى وهي أرض فيها ندوة ، ثم بعد عشرين سنة وجدت حرفا خامسا ذكره ابن دريد في الجمهرة وهي سبناء وسبانى وهي الأرض الخشنة. اه.
قال صاحب فوات الوفيات في ترجمة المؤلف : إنه مات قبل إكمال تبييضه ، وقال العلامة اليونيني في الذيل في حوادث سنة 660 في ترجمة المؤلف ما نصه : « وجمع لحلب تاريخا أحسن فيه ما شاء ومات وبعضه مسودة لم يبيضه ولو تكمل تبييضه كان أكثر من أربعين مجلدا ».
* (2) الكلام على تاريخ حمدان بن عبد الرحيم الأثاربي المسمى بالقوت (3) وتاريخ ابن العظيمي (4) وتاريخ ابن حميدة المسمى بمعادن الذهب
صريح ما قدمناه عن در الحبب والدر المنتخب أن أول تاريخ وضع للشهباء هو بغية الطلب للكمال ابن العديم ، لكن قال في كشف الظنون : ومن تواريخ حلب كتاب أبي
Bogga 34
عبد الله محمد بن علي العظيمي ومعادن الذهب لابن أبي علي يحيى بن حميدة الحلبي ، وهو تاريخ كبير وذيله له أيضا ، وقال في الكشف أيضا في صحيفة 228 « تاريخ العظيمي هو أبو عبد الله محمد بن علي رتبه على السنين وله تاريخ حلب أيضا » وقال الحافظ السخاوي في كتاب التوبيخ لمن ذم التاريخ (1) في الكلام على حلب مانصه « جمع تاريخها من سنة تسعين وأربعمائة يتضمن أخبار الفرنج وأيامهم وخروجهم إلى الشام من السنة المذكورة وما بعدها أبو الفوارس حمدان بن عبد الرحيم بن حمدان التميمي الأثاربي ثم الحلبي سماه القوت » اه. وقال ياقوت في معجم البلدان في الكلام على الأثارب « وحمدان بن عبد الرحيم الأثاربي طبيب متأدب وله شعر وأدب وصنف تاريخا كان في أيام طغندكين صاحب دمشق بعد الخمسماية اه ». وهذا يفيد أن أول من وضع تاريخا للشهباء هو حمدان الأثاربي ثم ابن العظيمي ثم ابن حميدة ثم ابن العديم ، لأن العظيمي على ما سيأتي في ترجمته كانت ولادته سنة 483 أربعمائة وثلاث وثمانين ، ولم يذكر المؤرخون تاريخ وفاته ويظهر أنها كانت في أواسط القرن السادس وابن حميدة كانت وفاته سنة 630 وابن العديم كانت وفاته سنة ( 660 فالعظيمي على هذا له تاريخان تاريخ خاص بالشهباء وتاريخ عام رتبه على السنين ولم أقف على اسمي هذين التاريخين.
وتراجم هؤلاء المؤرخين والذين بعدهم سنذكرها جميعها في القسم الثاني حيث نجد ترجمة كل واحد في السنة التي توفي فيها فراجعها ثمة.
* (5) الكلام على زبدة الحلب في تاريخ حلب
هو لكمال الدين أبي القاسم عمر بن أبي جرادة المتوفى سنة 660 انتزعه من تاريخه الكبير بغية الطلب المقدم ذكره وهو مرتب على السنين إلى سنة 641 يوجد منه نسخة في بطرسبرج في المكتبة العمومية ونسخة منه في باريس في المكتبة العمومية أيضا ورقمها (1666) في 268 صحيفة ، ويظهر أن هذه النسخة تامة وقد ترجم إلى اللغة الإفرنسية وطبع في باريس سنة (1896) وسنة (1898) ونشر في مجلة الشرق اللاتيني.
Bogga 35
ويوجد قطعة منه في المكتبة الخديوية في القاهرة ، ففي فهرستها الأولى في حرف الزاي ما نصه : « نبذة من زبدة الحلب في تاريخ حلب لأبي حفص عمر بن أحمد بن هبة الله الشهير بابن العديم المتوفي سنة 660 طبع حروف بباريس سنة 1819 ومعها مقدمة تاريخية ، وترجمة النبذة المذكورة باللغة اللاتينية لمسيوفيرتيك » نس ج ان خ 1067 ن ع 24580 اه.
section انتحال الطبيب بيشوف لهذا الكتاب وتحقيق ذلك
لما قرأت هذه العبارة في الفهرست كتبت إلى عبد اللطيف ابن أخي الشيخ محمد رحمه الله فاستنسخ هذه القطعة وأرسلها لي شكر الله سعيه ، وهي في 48 صحيفة مفتتحة بمسير سيدنا خالد بن الوليد رضياللهعنه إلى حلب ومختتمة باستقرار ولاية حلب لسيف الدولة بن حمدان سنة 336 ، وقد أدرجت تلك القطعة بتمامها في محالها كما ستراه.
وقد قابلتها على « تحف الأنباء في تاريخ حلب الشهباء » للطبيب بيشوف الجرماني المطبوع في المطبعة الأدبية في بيروت سنة 1880 م فوجدتهما متحدتين في العبارة ليس بينهما من الفرق إلا ما يقع عادة من النساخ من تحريف حرف أو إسقاط كلمة أو تقديم جملة وتأخير أخرى.
فظهر لي من هذا ظهور الشمس في رابعة النهار أن الطبيب المذكور ظفر بنسخة تامة من زبدة الحلب الذي نحن في صدد الكلام عليه فأخذها برمتها ونسبها إلى نفسه ، لأن توارد الخواطر على 48 صحيفة مما يستبعده العقل جدا ، وليس ببعيد أن يكون ما ذكره من الحوادث بعده سنة 641 إلى سنة 922 هو أيضا لبعض مؤرخي الشهباء ظفر به فنسب الجميع إلى نفسه ، فعلى هذا لا يكون للطبيب المذكور في هذا الكتاب سوى المقدمة ، وأما الخطبة فإنها بلا ريب من إنشاء بعض أدباء الشهباء ، فقد حدثني من أثق به ممن يعرف الطبيب المذكور حق المعرفة وعاشره مدة غير قليلة أنه لم يكن من الواقفين على شيء من العلوم العربية ولا يعرف من العربية إلا اللغة العامية ، وهذا مما يزيدك برهانا على أن الكتاب المذكور ليس له فيه شيء. نعم ما ذكره في آخر الكتاب من الكتابات والنقوش التي على أبواب الجوامع والمساجد والمدارس والخانات هو له ، وقد حدثنا من شاهده وهو يدور في
Bogga 36
أزقة الشهباء ويقرأ ما كتب على تلك الأماكن ويحرر ذلك عنده ، وقد كانت وفاة الطبيب المذكور في أوائل هذا القرن ولم أقف على تاريخ مجيئه من بلاده إلى هنا.
وإقدام الطبيب المذكور على نسبة جميع الكتاب إلى نفسه وبخسه حق مؤلفه وناظم عقده أمر غريب في بابه جدا وهو خيانة كبرى للعلم لا ينبغي أن تصدر من أمثاله ، وكأنه ظن أن ذلك سيبقى تحت طي الخفاء والكتمان لا تظهره الأيام والأزمان ، ولو أنه عزا الكتاب إلى صاحبه وأدى الأمانة إلى أهلها وذكر ماله في هذا الكتاب من الزيادات لكنا من الشاكرين له والمقدرين لمساعيه.
ومما يجدر التنبيه عليه أن الطبيب المذكور لم يستقص في كتابه جميع الكتابات المنقوشة على أبواب وجدران الجوامع والمدارس والخانات والقساطل والمنارات والزوايا والرباطات والذي كاد يستقصي ذلك لجنة ألمانية حضرت إلى الشهباء سنة 1326 مؤلفة من ثلاثة أشخاص يدعى أحدهم ( صوبرنهام ) والثاني ( برنهارد سوفير ) والثالث الطبيب ( إرنست هارتز فيلد ) بقيت تتجول في الشهباء وضواحيها مقدار ثلاثة أشهر ، إلا أنها لم تأخذ النقوش التي كتبت بعد الفتح السليمي ، وقد تعرفت بهؤلاء الثلاثة حينما أتوا إلى محلتنا ( باب قنسرين ) وأخذوا يقرؤون ما كتب على الحجر المدور الموضوع فوق باب المسجد المعروف الآن بمسجد الشيخ حمود الملاصق للبيمارستان الأرغوني ، فساعدتهم على قراءة ما كتب على ذلك الحجر بالخط الكوفي والكتابة مما يسر قراءتها وهي :
[ بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عمر ابتغاء ثواب الله تعالى أبو المكارم الأسكافي عفا الله عنه سنة اثنين وأربعين وخمسمائة ] وحينما وقفوا عند البيمارستان الأرغوني وأخذوا في قراءة ما كتب على بابه رأيتهم يقرؤون ثم يراجعون ذلك في كتاب بيشوف فلحظوا مني أمارة التعجب من ذلك فقال لي أحدهم : إنا لا نثق كثيرا بما كتبه بيشوف لأنه قد لا يقف على كلمة حق الوقوف فيثبتها محرفة والاختبار أيد عندنا ذلك ، فلهذا نحن مضطرون إلى القراءة ثم المراجعة ليكون علمنا يقينيا لا ريب فيه.
ورافقت هؤلاء في يوم ذهبوا فيه إلى تربة الصالحين فتساعدنا على قراءة ما كتب فوق باب قبلية المسجد بجانب المقام الذي فيه أثر قدم كبيرة يقال إنها أثر قدم سيدنا إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليه ، وبعد مشقة ووقت غير قليل تمكنا من قراءة ما نقش
Bogga 37
عليه وهو أقدم كتابة عربية رأيناها في الشهباء بعد الكتابة التي على منارة الجامع الأعظم ، وهذا نصها :
السطر الأول : مما أمر بعمله ملك الملو
السطر الثاني : ك عضد الدولة أبو شجاع أحمد
السطر الثالث : ابن يمين أمير المؤمنين وجرى ذلك
السطر الرابع : على يد تاج الملوك أبي الغنائم في سنة
السطر الخامس : تسع وتسعين وأربع ماية
وأطلعني هؤلاء الثلاثة في اجتماع خاص في الفندق النازلين فيه على الجزء الثاني من كتاب آداب اللغة العربية في الألمانية تأليف ( بروكلن ) من مستشرقي الألمان فيه تراجم مؤرخي العرب مع الإشارة إلى المكتبة التي يوجد فيها شيء من هذه التواريخ واستخرجوا لي ما هو موجود من تواريخ الشهباء في المكتبات الأوربية ، وقد أثبت ما استخرجوه لي في محلاته ، والجزء الأول لم يكن معهم وأخبروني أن ( هوار ) من مستشرقي الإفرنسيين له كتاب في هذا الموضوع.
* (6) الكلام على حضرة النديم من تاريخ ابن العديم
هو مختصر من زبدة الحلب المتقدم ، قال في كشف الظنون : « وللشيخ طاهر بن حسن المعروف بابن حبيب الحلبي المتوفى سنة 808 تاريخ منتزع منه أيضا أي من زبدة الحلب سماه حضرة النديم من تاريخ ابن العديم هكذا وجدته » ثم رأيت في درة الأسلاك لوالده حسن بن حبيب أنه يقول في ترجمة الكمال ابن العديم « جمعت من تاريخه ومن خطه كتابا لطيفا سميته حضرة النديم » اه.
* (7) الكلام على الزبد والضرب في تاريخ حلب الذي هو مختصر من زبدة الحلب أيضا
هو لرضي الدين محمد بن الحنبلي صاحب در الحبب المتوفي سنة 971 ، قال في كشف الظنون : هو تاريخ مختصر انتخبه من زبدة الحلب وزاد من سنة 660 إلى سنة
Bogga 38
951 اه. وهذه العبارة تفيد أنه زاد على الأصل حوادث من سنة 660 إلى سنة 951 وليس كذلك ، فإن المؤلف لم يزد على الأصل شيئا بل وصل فيه إلى سنة 641 وقال في آخره : وإلى هذه السنة ( أي سنة 641 ) انتهى ما وجدته من نسخة الأصل وهي نسخة منقولة من نسخة كتبت من خط مؤلفها المولى الصاحب كمال الدين أبي حفص عمر بن أبي جرادة.
نعم زاد بعض حوادث في ضمن هذا المختصر لم تذكر في الأصل كما قال في خطبة كتابه ، وتأليفه هذا المختصر كان سنة 951 لا أنه زاد من سنة 660 إلى سنة 951 كما توهمه صاحب الكشف. والذي أوقعه في هذا السهو غموض عبارة در الحبب التي قدمناها في ابتداء الكلام على بغية الطلب.
يوجد هذا المختصر في بطرسبرج عاصمة روسيا ورقمه (203) وفي المتحف البريطاني في لوندرة ورقمه (334) وفي أكسفورد ورقمه (836) وفي المدينة المنورة في مكتبة عارف حكمة بك الشهيرة في ضمن مجموع رقمه (59)، وقد ذكره صاحب مجلة المقتبس في رحلته إلى المدينة المنورة المنشورة في مجلته ، وعلى إثر ذلك أرسلت فاستنسخته وهو في ثلاث كراريس تنتهي حوادثه إلى سنة 641 كما قدمنا ، وقال في آخره : وكان الفراغ من انتخابه في يوم الجمعة المبارك السابع والعشرين من ربيع الآخر من شهور سنة إحدى وخمسين وتسعماية اه. وقد أدرجنا جميع ما فيه في القسم الأول كما ستراه.
section ** [ تنبيه ]
94 تاريخ حلب مجهول في ورقة 14 ) وقد استنسخت هذه الأوراق فإذا هي ليست تاريخا لحلب بل هي موشح للشيخ أبي الفتوح علي الميقاتي الحلبي المتوفى سنة 1174 ذكر فيه منتزهات الشهباء ومدح فيها بعض وجهائها في عصره ، قال في مطلعه :
حلب الشهبا وهاد النظر
ومهاد قد تعالت عن نظير
ثم شرحه في عشرة أوراق ، وقد نبهنا عليه لئلا يغتر به من يقرأ تلك الفهرست
Bogga 39
* (8) الكلام على الدر المنتخب لابن خطيب الناصرية
قال في در الحبب : ثم ذيل عليه ( أي على بغية الطلب ) العلامة الأوحد الحافظ قاضي القضاة علاء الدين أبو الحسن علي بن محمد بن سعد الطائي الجبريني ثم الحلبي الشافعي المشهور بابن خطيب الناصرية فوضع تاريخه المسمى بالدر المنتخب في تاريخ حلب ، وكانت وفاته بحلب سنة ثلاث وأربعين وثمانمائة ، ولم يخلف بعده بها مثله من الشافعية كما ذكره الحافظ السخاوي في تاريخه الموسوم بالضوء اللامع في أعيان القرن التاسع ، وقد ضمن تاريخه هذا تراجم أعيانها ورتبهم على حروف المعجم لتسهيل بيانهم وبيانها ، ولما وصل إلى حلب حافظ العصر الشهاب ابن حجر العسقلاني المصري القاهري الشافعي سنة ست وثلاثين وثمانماية طالع هذا التاريخ من المبيضة ثم من المسودة وألحق فيه أشياء كثيرة ، كما تعرض لهذا في ديباجة تاريخه المشهور بأنباء الغمر وأثنى على صاحبه وأفاد أن كلا منهما سمع من صاحبه اه.
أقول : وهو في مجلدين يوجد نسخة منه في برلين ورقمها (9791) وفي مدينة كوتاه ( غوطا ) ورقمها (9772) وفي لوندرة ورقمها (436) ويوجد الجزء الثالث في مكتبة الأمة في باريس ورقمه (2139) ابتدىء فيه بترجمة عبد الكريم بن أحمد المصري الأصل واختتم بترجمة محمد بن تمام بن يحيى الحميري وهو في 150 ورقة ، ويغلب على الظن أنه بخط المؤلف.
وفي سنة 1339 ه 1921 م حضر إلى الشهباء ( لويس ماسينيون ) المستشرق الإفرنسي وأتيح لنا الاجتماع به وتذاكرنا معه في عدة مسائل تتعلق بالآثار الشرقية فانساق معنا الحديث ( والحديث شجون ) إلى ذكر تواريخ حلب وما هو موجود منها في مكتبات باريس ، وذكرنا له هذا الجزء وأعربنا له عن رغبتنا في الاستحصال عليه ، فلما عاد إلى باريس تفضل بأخذه بالمصور الشمسي ( الفوتوغراف ) وأرسله إلينا.
فنحن نصوغ له عقود الثناء ونشكره على صنعه الجميل مزيد الشكر ، وسنقتطف ما في هذا الجزء من التراجم التي ليست عندنا ونثبتها في مكانها على شرطنا المتقدم.
Bogga 40
وفي مكتبة ( لاله لي ) في الأستانة ورقمها (2036) و2037 وفي مكتبة خالص بك مستشار الخاصة في الأستانة وهي مكتبة شهيرة ملك لصاحبها المذكور ويغلب على الظن أنه توفي من عهد قريب ، وكان في مكتبة الأحمدية بمدينة حلب نسخة في جزئين الثاني منهما مطموس الآخر كما ذكره في فهرست المكتبة المذكورة استعارها على ما بلغني بعض العلماء منذ خمس وعشرين سنة ولم يعدها إلى الآن فعسى أن يلهمه الله إعادتها إلى مكانها فيكون قد أدى الأمانة إلى أهلها وحفظ هذا الأثر المهم من التشتت والضياع ، وهذا التاريخ أحد مواد الضوء اللامع في أعيان القرن التاسع ، والضوء اللامع موجود في المكتبة الظاهرية في دمشق وقد استنسخنا منه ما فيه من تراجم الحلبيين.
وقال جرجي زيدان في كتابه ( تاريخ آداب اللغة العربية ) في الجزء الثالث منه في صحيفة 171 : إن الدر المنتخب لابن خطيب الناصرية هو مختصر من بغية الطلب لابن العديم ، وهذا وهم منه بل هو ذيل له كما عرفت.
وفي فهرست المكتبة الخالدية في القدس الشريف في قسم التراجم مجموعة فيها تراجم وأدبيات بخط جامعها ابن خطيب الناصرية ورقمها (31) فيها مقدار 150 ترجمة وخطها سقيم.
* (9) الكلام على المنتخب من الدر المنتخب
اختصر الدر المنتخب في مجلدين الإمام العلامة الشيخ أحمد بن محمد الشهير بالملا المتوفى سنة 1003 وولده الشيخ محمد المتوفى سنة 1010 ، اختصر الشيخ أحمد المجلد الأول وولده المجلد الثاني ، يوجد المجلد الأول عند بعض أصحابنا في حلب وهو محرر بخط الشيخ محمد الملا ابن الشيخ أحمد المتقدم الذكر يبتدىء أوله بترجمة إبراهيم بن أحمد بن إبراهيم بن عبد الله المعروف بابن الرعياني وفيه 68 إبراهيم ، ثم ترجمة ( أبغا ) ابن هولاكو ثم 198 أحمد ثم من اسمه إسماعيل وهكذا ، وينتهي آخره بترجمة ست النعم بنت يوسف بن محمد ابن النصيبي المتوفاة سنة 681 وهو محرر سنة 1009 قال في آخره : يتلوه باب الشين المعجمة.
Bogga 41
( وعلى هامش النسخة ما نصه ): لقد انتفع واستفاد كاتب هذه الأحرف ومحرر هذه المداد وبلغ من فوائد هذا التاريخ الجامع المراد ، وهو مما انتخبه العلامة جامع الفضائل الشيخ أحمد بن الملا محمد الشهير بابن الملا والد كاتب هذه الكلمات وشيخه وأستاذه وهو من اختصاره بخطه إلى نحو النصف ، ثم إن النصف الثاني أتمه وأكمله بخطه بعده شقيقي العلامة ورفيقي الملا محمد ابن شيخ الإسلام المختصر المذكور... في ذلك بالنسبة إلى الأصل ، فالله تعالى يجزل أجورهم ويوفر بمساعيهم المشكورة حبورهم ويملأ بالسرور قبورهم ويمن علينا بما عليهم من وتفضل ، قاله وكتبه إبراهيم بن أحمد الملا محمد العباسي الشافعي الحلبي حرر ذلك سنة ثمان عشرة وألف. اه. وقد توج هذه العبارة بلفظ المنتخب من الدر المنتخب في تكملة تاريخ حلب لابن خطيب الناصرية.
وقال في مقدمته : قال عفا الله عنه : وبعد فلما كان حب الوطن يعد من الخلق الحسن وكانت حلب وطني عظيما قدرها جليلا أمرها مع حصانة حصنها وكثرة أعمالها ومدنها وطيب نقعها وصحة تربتها ورقة هوائها وعذوبة مائها وغزارة فضلها وكثرة العلماء والشعراء من أهلها ووفور الطارش من العلماء عليها والواردين من الأعيان والفضلاء إليها وقد جمع تاريخا مستوعبا لذلك الإمام العلامة أبو القاسم كمال الدين عمر بن أحمد ابن العديم الحلبي الحنفي رحمه الله فأتقن وأجاد وأطال ولم يسبقه أحد إلى تاريخ لها على الخصوص وسماه بغية الطلب في تاريخ حلب ( ثم قال ): أحببت أن أذيل عليه ذيلا مختصرا وقبل الخوض في ذكر الأسماء أصدره بفصول الفصل الأول في حلب وأسمائها ومن بناها ، الثاني في ذكر حدودها وأعمالها ، الثالث في عظم فضلها وخصائصها ، الرابع في فتحها ، الخامس في نهرها وقناتها ومساجدها ومعابدها ( إلى أن قال ): ثم أذكر منها ومن بلادها ومن أخبارها من العلماء والرواة والفضلاء والرؤساء ومن كان بها من الصالحين والعباد ومن نزل بها واجتاز بها أو بمعاملتها من الشعراء وأرباب الإنشاء ومن دخلها أو ملكها من السلاطين أو وليها من الأمراء والنواب والقضاة ومن وفد إليها أو إلى معاملتها من فضلاء غيرها من البلاد ممن كانت وفاته من سنة ثمان وخمسين وستماية وهي السنة التي أخذ هولاكو فيها حلب وخربها. الفصل الأول في حلب وأسمائها الخ.
Bogga 42