مقدمة الكتاب
الحمد لله الذي خلق الانسان، وعلمه البيان، وأنزل القرآن هدي للناس وبينات من الهدى
والفرقان، وأعجز مصاقع البلغاء عن المعارضة باللسان، إلى المقارعة بالسيف والسنان،
والصلاة والسلام على سيدنا محمد فاتحة كتاب الوجود، وخاتمة أبواب الوحي والكشف
والشهود، والشفيع المشفع في المقام المحمود، من سطع نوره على كل موجود، وعلى آله
الأطهار، وأصحابه الأخيار، الذين أيدوا الشريعة السمحة الغراء، وأسسوا أبنية قواعدها
البيضاء، حتى استقام الحق واعتدل، وزهق الباطل وبطل.
أما بعد! فإني منذ عرفت اليمين من الشمال، وميزت بين الرشد والضلال، لم أزل ولوعًا
بمطالعة كتب الأخبار، مغري بالبحث عن أحوال الأدباء الأخيار، حريصًا على خبر
اسمعه، أو شعر تفرق شمله فأجمعه، حتى اجتمع عندي ما طاب وراق، وزين بمحاسن
لطائفه الأقلام والأوراق، فاقتصرت منه على أخبار أدباء الهند التي أنا فيها، وضربت
صفحًا عن أدباء الأقاليم الأخر التي تنافيها، حرصًا على جمع ما لم يجمع، وتقييد شيء لم
يقل إلا ليقيد ويسمع.
ثم أشار إلى من إشارته حكم، وطاعته غنم، أن لا اقتصر على أخيار الأدباء، بل أذيله
بذكر العلماء، وأهل الفضل سواء كانوا من المشايخ أو الأمراء، فاستقلت من هذا المقام
الذي يضطر فيه صاحبه إلى أن يكون كحاطب ليل، أو جالب رجل وخيل، وذاكرته ان
من كان أفضل مني في إكثار الرواية، وقوة الحفظ وغزارة الدراية، بذل جهده في ذلك، فلم
يتيسر له الوصول إلى ما هنالك، فكيف هذا العبد الفقير، في هذا المضمار الخطير! مع
قصور باعه، وسقط متاعه، وقلة فرصه، وكثرة غصصه، فلم يسعف بالإقالة، ولا أعفي من
المقالة، فلبيت دعوته تلبية المطيع، وبذلت في مطاوعته جهد المستطيع.
ولولا من الله ﷿ وله المنة على هذا العبد بالقوة على ذلك بعد المنة- لما تيسر له
جمع الكتاب، الذي هو أغلى من الذهب المذاب، وأحلى من لذيذ الخطاب، ومداعبة
الأحباب، لأن أهل الهند مع كثرة فضلائهم ووحود الأعيان في كل مكرمة على تعاقب
الأعصار ليس لهم عناية كاملة، ولا رغبة وافرة، إلا في دفن محاسن أكابرهم، وطمس آثار
مفاخرهم، فلا يرفعون إلى علمائهم رأسًا، ولا يمدون إليهم يدًا، مع توفر رغباتهم إلى الإطلاع
على ما لغيرهم من الشعراء والاشتغال الكامل بمعرفة أحوال مشايخ الصوفية والإكباب
على جمع كشوفهم وكراماتهم وعلى كتبهم التاريخية وغيرها، وإني لأكثر العجب من
اختصاص المذكورين بهذه الخصلة التي هي سبب لدفن محاسن سابقهم ولاحقهم، وطمس
رفيع قدر عالمهم وفاضلهم، ولهذا أهمل المصنفون في التاريخ على العموم ذكرهم، لم يترجموا
لأهل قرن من تلك القرون،
1 / 29