Ibraahim Katib
إبراهيم الكاتب
Noocyada
وكانوا قد فرغوا من الطعام، فمضت به شوشو إلى غرفة أخرى، وجلست إلى جانبه تستخبره عن المستشفى، وكيف كان يقضي لياليه فيها، ومن كان يؤنسه في وحدته، وكان يوجز ما استطاع في أجوبته، وتأبى هي إلا الإطناب وتلح فيه: قل لي. قل بالله (وأحاطت عنقه بذراعها اليمنى) أكنت تقضي الليل كله وحدك؟ - نعم. - ألا يجالسك أحد؟ - الزوار. - وإذا لم يزرك أحد؟ - أنا أحب الوحدة. - ولكن هبني مكانك. فأنا لا أحب الوحدة ولا أطيقها. - هناك الممرضات. - آه. أهن شابات أم عجائز؟ - لا أعرف إلا المستشفى الذي كنت فيه. - حدثني عنه إذا! لماذا لا تتكلم! إن هذه ليست عادتك! أهناك شيء لا يصح أن أعرفه؟ - كلا. - إذا لماذا تأبى الكلام عن المستشفي؟ - لأنها ذكرى.. تؤلمنى. - هذا صحيح! ولكنك جدير بأن تحمد الله على شفائك مع ذلك.
فصمت قليلا وقال وهو مطرق: «لا أدري»!
فاعتدلت ونظرت إليه بعينيها العميقتين، ووضعت يمناها على جبينه، ورفعت رأسه وسألته: «كيف لا تدري؟ لست أفهم»!
فقال وجفنه مرخى، ونظرته إلى الأرض، وإصبعه ينفض السيجارة. - شوشو! اسمعي! إنك لا تزالين صغيرة. - كلا! لست صغيرة! أنا أطول منك. أما ترى.
ونهضت ورفعت أطراف كفيها إلى كتفيها، وعيناها إلى صدرها ثم هوت يديها إلى ركبتيها ووضعتهما عليهما، وانحنت إليه، وحدقت في وجهه باسمة، وهمت بالكلام، ولكن هيئته صدتها، فأسرعت إلى مكانها بجانبه وجذبته من كتفه وقالت: مالك؟ قل لي!
فقال وهو منحن إلى الأرض: لا شيء! اطمئني! كل شيء.. - كل ماذا؟
فنهض ومضى إلى النافذة ويداه في جيبي معطفه، وجعل ينظر من خلال الزجاج دون أن يرى شيئا، ولحقت به ووقفت إلى يساره هنيهة، فلما لم يلتفت إليها طوقته بذراعيها وقالت وهي تجذبه جذبة بعد كل كلمة: إبراهيم ! ابن خالتي! مالك؟ تكلم! لست أفهم! - ربما كان خيرا لك ألا تفهميني.
فأدارت إليه وجهها وقالت: ولكني لا أستطيع أن أراك هكذا! ألست بنت خالتك؟ أم أنت تستصغرنى؟ - كلا يا شوشو. - قل لي إذا ولا تدعني أتألم من أجلك هكذا بسبب جهلي ما يؤلمك. - ماذا أقول؟ لقد دخلت المستشفى لأتداوى من مرض فشفيت. ولكني خرجت بمرض جديد شر ما فيه أنه لاطبيب له، إلا.. - إلا من؟ قل أسرع! - لا أقوى على أكثر من هذا يا شوشو. بل أقول إني ما أتيت إلى هنا إلا لأتداوى ولكن بلا جدوى على ما يظهر.
فجرى ببال شوشو خاطر لمحت إليه ومنعها الحياء والأدب والمحافظة على كرامة ابن خالتها أن تفصح عنه وجعلت تتمتم: آ.. سامحني ولكن أأنت في حاجة إلى ... ما ....
فالتفت إليها بسرعة وقد أدرك غرضها ولم يدعها تتم الكلمة وصاح وقد فاضت نفسه بالإحساس المكتوم. - يا بلهاء.
Bog aan la aqoon