Ibraahim Abu Anbiyaa
إبراهيم أبو الأنبياء
Noocyada
ولم يرو القرآن الكريم خبرا كهذا عن نبي غير إبراهيم، فإنه إذن لمن مواضع التأمل التي ينبغي أن يلتفت إليها من يصطنعون الاستقصاء باسم العلم والتاريخ.
فالحق أن عقيدة البعث خفية في كتب التوراة، وأن خفاءها هذا دليل على أنها بقيت زمنا بعد إبراهيم مجهولة غير مفهومة.
وإذا اعتمدنا البحث التاريخي وحده، لم يجز في العقل أن يكون إبراهيم قد ذهب إلى مصر وعاد منها ولم يسمع بعقيدة الحياة بعد الموت.
فمن ذرية إبراهيم يوسف، وقد كان له صهر في كهان المحاريب المصرية، ومنهم موسى، وله علم بمدارس مصر وأسرارها، وغير معقول أن يكون إبراهيم قد خرج من أرض الكلدان إلى مصر ولم يخطر له أن يسائل حكماءها في أمر العقيدة، وقد كانت في الوجه البحري - حيث تنزل القبائل الوافدة - محاريب كثيرة يتقرب منها ملوك الرعاة، ويشتركون في شعائرها مع رؤساء الدين.
فلا يجوز في العقل أن يكون إبراهيم قد ذهب إلى مصر وعاد منها ولم يسمع بعقيدة الحياة بعد الموت، وأصوب من هذا أن نفهم أن كتب العهد القديم دونت بعد السبي أو نفي اليهود إلى بابل ، فطال العهد بينها وبين دعوة إبراهيم، وطالت عصور النكسة بعد اختلاط العبادات الإلهية والوثنية، ومنها عبادات بعل وعشتروت.
وساعد على خفاء العقيدة بالحياة بعد الموت أنها لم تورث عن إبراهيم مفصلة منتظرة عن سابقة متتابعة، فجاز أن يكتب المدونون في سفر الجامعة: «إن ما يحدث لبني البشر يحدث للبهيمة ... كلاهما من التراب وإلى التراب يعود. من يعلم روح بني البشر؛ هل هي تصعد إلى فوق؟ وروح البهيمة هل هي تنزل إلى أسفل، إلى الأرض؟! ولا شيء خير من أن يفرح الإنسان بأعماله؛ لأن ذلك نصيبه ...»
وانقضت قرون قبل أن يسمع من دانيال «أن الراقدين في تراب الأرض يستيقظون؛ هؤلاء للحياة الأبدية، وهؤلاء إلى العار ...»
وجاء عصر السيد المسيح ولما ينحسم الخلاف بين طوائف بني إسرائيل التي تقول بالحياة الأخرى، وطوائفهم التي تنكرها وتتحدى المؤمنين بها أن يؤيدوها بسند من كتب التوراة، وضرب السيد المسيح المثل بالعازر والرجل الغني، وفيه إشارة إلى النعيم والعذاب بعد الموت، فكان عقيدة من عقائد الأناجيل لم تتقرر على هذا الوجه في كتب التوراة.
وقد مضى زهاء عشرين قرنا بين عصر إبراهيم وعصر المسيح، ومضى زهاء أربعين قرنا بينه وبين هذا الزمن الذي غلب فيه أتباعه على أقطار الدنيا، ولكن أمرا ابتدئ قبل تلك القرون لم يكن لينتهي إلى هذه النهاية لو لم يبدأ ذلك الابتداء.
ولم يكن ذلك الأمر عقيدة التوحيد، أو عقيدة الفداء، أو عقيدة الثواب والعقاب، فقبل ذلك ما سمع الناس بتلك العقائد على نحو من الأنحاء.
Bog aan la aqoon