Ibraahim Abu Anbiyaa
إبراهيم أبو الأنبياء
Noocyada
فالذي يقول: إن وجود الخليل مشكوك فيه من الوجهة العلمية يظلم العلم، ويحمله جريرة لا يحملها؛ لأن سيرة الخليل ليست من السير التي يشك فيها العالم، بل هي سيرة يبحث عنها العالم إن لم يجدها؛ إذ كانت الدعوات النبوية سلالة واحدة يرتبط اللاحق منها بالسابق، ولا يمكن الرجوع ببداءة لها أصدق من بداءتها بدعوة إبراهيم. •••
إن الدعوات النبوية التي بدأتها دعوة إبراهيم سلالة لم يظهر لها نظير في غير الأمم العربية والأمم السامية، وقد ختمت بدعوة محمد
صلى الله عليه وسلم ، وجاءت دعوة محمد متممة لها، فلا تفهم واحدة منها منفصلة عن سائرها، بترتيب كل منها في زمانها، وعلاقة كل منها بمكانها، فلا لبس فيها من جانب العصر ولا من جانب البيئة.
دعوات لم تظهر في العالم كله على غير هذا النسق؛ لأنها ارتبطت بظاهرة غير متكررة حول مدن القوافل التي اختصت بها بلاد الأمم العربية، وكانت بداءتها في زمانها وعلى ترتيب مكانتها الجغرافية حيث نشأ الخليل إبراهيم، فهي نشأة لازمة في موقعها وفي عصرها. والنشأة التي من هذا القبيل تواجه العلم بحقيقة ضرورية، فلا شك فيها، بل يكون موقفه منها على نقيض الشك من طرف إلى طرف؛ لأنه يبحث عنها إن لم يجدها، وعليه أن يجدها وأن يهتدي إليها.
ومن قرائن الثبوت - كما أسلفنا - أن هذه الدعوات النبوية نسبت إلى أصل واحد، وهو السلالة السامية، قبل أن يعرف الناس علم المقارنة بين اللغات، وقبل أن يعرفوا علامات الوحدة في التصريف والاشتقاق، وقواعد النحو، وحركات النطق، وأجهزة الكلام، فلم يكن في وسع الذين قالوا بوحدة أصلها قبل مئات السنين أن يخترعوا هذه النسبة لو لم تكن نسبة صحيحة في مراجع لا تخترع، ولا يسهل اختراعها. •••
وعلم المقابلة بين الأديان حديث كعلم المقابلة بين اللغات، فإذا جاء هذا العلم الحديث مطابقا للأخبار الأولى عن ديانة القوم في عصر إبراهيم؛ فتلك قرينة ثبوت وليست بقرينة شك، ومن خالف ذلك فهو لا يفرق بين الشك والثبوت.
لم يكن من السهل أن توجد في وطن واحد عبادة الكواكب وعبادة الأصنام وعبادة الملوك، وأن تتعدد الأرباب مع تمييز رب منها على سائرها.
ليس من السهل أن يوجد هذا الخليط من العبادات في وطن واحد، فقد يجهل الناس التوحيد ويعبدون الشمس والقمر، أو يعبدون القمر دون الشمس، أو يعبدون القمر ولا يعبدون المريخ والزهرة.
وقد يجهل الناس التوحيد ويعبدون الأصنام، ولا يعبدون معها الملوك، وقد يعبدون أربابا كثيرة ولا يميزون ربا منها على سائرها.
أما عبادتها جميعا في وطن واحد فهي حالة لا يمكن اختراعها ما لم تكن حقيقة واقعة.
Bog aan la aqoon