Ibraahim Abu Anbiyaa
إبراهيم أبو الأنبياء
Noocyada
إنها صلحت لذلك لأن الأحوال النفسية التي تتوافر فيها لا تتوافر في حضارة العمران المتصل، ولا تتوافر في الصحراء المنعزلة، ولا تتم أسبابها الحسنة ولا أسبابها السيئة في بيئة أخرى كما تتم في المدينة حولها الصحراء، فأما القطر الذي يتصل عليه العمران فهو مختلف من هذه الناحية، وأما الصحراء التي تنعزل عن العمران فهي من هذه الناحية مختلفة كذلك. وسنرى أوجه هذا الاختلاف في عرض موجز لهذين الطرفين المتقابلين، ثم نعود إلى الوسط الذي يلتقيان لديه.
إن القطر الذي تتصل فيه الحضارة، وتتلاحق فيه مظاهر العمران يعطينا المشترعين والكهان، ولا يعطينا الأنبياء المرسلين أو الرسل.
ففي هذا القطر يسري العرف، وترتقي العادات الاجتماعية، ويستقر نظام القانون والمعاملة، وقد يتقدم أهله في إدراك العقائد الدينية من طريق تقدم المجتمع، وتقدم الثقافة ومعاهد التعليم.
بل هو قد يتقدم قبل البداوة إلى إدراك عقيدة الوحدانية؛ لأن الدول الكبار تنشأ في مبدأ أمرها من قبيلة تتسلط على قبائل أصغر منها، ثم يجتمع من القبائل شعب كبير يتسلط على شعوب أصغر منه، فتقوم دولة الحضارة من امتزاج هذه القبائل والشعوب، وتتقدم إلى الإيمان بالوحدانية كلما اشتركت في عبادة واحدة يفرضها الشعب الذي سادت عبادته على مختلف العبادات.
فالقبيلة القوية تفرض على القبائل الصغيرة أن تطيع ربها، كما تفرض عليها أن تطيع أميرها، ثم يجتمع من هذه القبائل شعب كبير يفرض على الشعوب التي دخلت في حوزته أن تطيع ربه، وأن تدين بديانته، ولا تزال كذلك حتى يتوحد لها رب معبود تدين له جميعا، وتؤمن بوحدانيته، وتؤمن بسيادته على جميع الأرباب زمنا حتى يبطل التعدد، ويستقر التوحيد.
إن دولة الحضارة التي تقوم على هذه الأسس قد تسبق البداوة إلى الإيمان بالوحدانية، ولكن مسألة الدين فيها تئول إلى سلطان الكهان، وهم أعداء الأنبياء، وعداوتهم لهم تتكشف للعيان حتى في الأمم التي تعودت أن تتلقى الرسالات النبوية منذ عهد بعيد.
فلما توطد سلطان الكهنوت في بني إسرائيل، خرج من الكهان أنفسهم من يتنبأ وينكر دعوة النبوة على غير أصحاب الكهانة، وقال زكريا صاحب آخر كتاب - قبل الأخير - من كتب العهد القديم: ... يقول رب الجنود: إني أقطع أسماء الأصنام من الأرض فلا تذكر بعد، وأزيل الأنبياء أيضا والروح النجس من الأرض، ويكون إذا تنبأ أحد بعد أن أباه وأمه - والديه - يقولان له: لا تعيش لأنك تكلمت بالكذب باسم الرب، فيطعنه أبوه وأمه - والداه - عندما يتنبأ، ولا يلبسون ثوب شعر لأجل الغش، بل يقول: لست أنا نبيا، أنا إنسان فالح الأرض؛ لأن إنسانا اقتناني من صباي، فيقول له: ما هذه الجروح في يديك؟ فيقول: هي التي جرحت بها في بيت أحبائي.
ويحدث أحيانا أن يتصدى الكاهن للنبي حماية لعرش الملك، كما فعل الكاهن أمصيا حين وبخ النبي عاموس وأنذره بالرحيل من بيت إيل: «فأرسل أمصيا كاهن بيت إيل إلى يربعام ملك إسرائيل قائلا: قد فتن عليك عاموس في وسط بيت إسرائيل، لا تقدر الأرض أن تطيق كل أقواله؛ لأنه هكذا قال عاموس: يموت يربعام بالسيف ويسبى إسرائيل عن أرضه، فقال أمصيا لعاموس: أيها الرائي، اذهب، اهرب إلى أرض يهوذا، وكل هناك خبزا، وهناك تنبأ، وأما بيت إيل فلا تعد تتنبأ فيها بعد؛ لأنها مقدس الملك، وبيت الملك.
فأجاب عاموس وقال لأمصيا: لست أنا نبيا ولا أنا ابن نبي، بل أنا راع وجاني جميزة، فأخذني الرب من وراء الضأن، وقال لي الرب: اذهب تنبأ لشعبي إسرائيل.»
وقد ينقسم الكهان والأنبياء إلى معسكرين عند الاختلاف على ولاية العهد، كما حدث عندما وثب «أدونيا » بن داود لاغتصاب العرش ... «وأعد لنفسه عجلات وفرسانا وخمسين رجلا يجرون أمامه، ولم يغضبه أبوه قط قائلا: لم فعلت هذا؟ وهو أيضا جميل الصورة جدا، وكان كلامه مع أبياثار الكاهن، وأما ناثان النبي فلم يدعه.»
Bog aan la aqoon