Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Daabacaha
دار الفكر العربي
بدمشق: ((ثم إن الشيخ بعد وصوله إلى دمشق واستقراره بها لم يزل ملازماً للاشتغال في سائر العلوم، ونشر العلم، وتصنيف الكتب، وإفتاء الناس بالكلام والكتابة المطولة، والاجتهاد في الأحكام الشرعية، ففي بعض الأحكام يفتى بما أدى إليه اجتهاده من موافقة أئمة المذاهب الأربعة، وفي بعضها يفتى بخلافهم أو بخلاف المشهور في مذاهبهم، وله اختيارات كثيرة، ومجلدات عدة، أفتى فيها بما أدى إليه اجتهاده، واستدل على ذلك من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والسلف)).
وجاء مثل ذلك في كتب سيرته؛ وهذا يدل على أنه في دمشق، انصرف إلى الفروع، وقد أتم دراسة أصول العقيدة دراسة فاحصة عميقة دقيقة، وأعلن آراءه فيها من غير مواربة؛ ولا تستر، وعرض نفسه للمحن المتوالية؛ ونزل به الأذى من الخاصة، حتى أتم نشرها وكشفها للناس بدليلها؛ وبذلك بلغ دين الله على وجهه في اعتقاده وخفت صوت المعارض، وقوى صوت المناصر؛ وأصبح الذين يعارضونه وإن كانوا كثيرين يجمحون ولا يتكلمون؛ وحسبه في ذلك انتصاراً، فبعد أن كان الذين يناصرونه يخافتون، صاروا يجاهرون في مصر والشام؛ وصار له أنصار بالبلدين.
فلما تم ذلك وعاد إلى دمشق جعل كل همه في الإفتاء وتصنيف الكتب في الفروع؛ وليس معنى ذلك أنه انقطع عن دراسة العقائد وبيانها؛ بل معناه أن الوقت كان يشغل بالفروع، وقد يجيب عن العقائد إن سئل عنها، وذلك لا يمنع أن العمل الأكثر للفروع؛ وكان مكان دروسه الأساسية المدرسة الحنبلية، وأحياناً بغيرها.
٨٤- ولما أقبل على الفروع يفحصها، وصل إلى نتائج يخالف فيها الأئمة أو يوافق المشهور في مذاهبهم أو غير المشهور؛ وليس معنى هذا الإقبال أنه لم يكن قبل ذلك يعني بها، بل كانت عنايته عناية استيعاب، وفي الثانية كانت عنايته متجهة إلى الإنتاج من ذلك الاستيعاب الشامل، وتلك الثروة الفقهية والأثرية التي
77