Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Daabacaha
دار الفكر العربي
ثم ترك التتار الشام ونسجل هنا أن ابن تيمية عندما فك الأسارى، فك أسارى الذميين مع أسارى المسلمين.
٤٣- ولكن في سنة ٧٠٠ تسامع الناس أن التتار سيقصدون الشام، وأنهم عازمون على دخول مصر، فأخذ الأهلون يفرون كالمرة الأولى، وهم في هذه المرة يفرون على السماع، وكانوا في الأولى يفرون عند العيان.
ولكن ابن تيمية الذي عالج التتار بالسلم في الماضي، إذ لم يستطع أن يشن عليهم الحرب لخور العزيمة؛ ولأنهم كانوا أصحاب العتاد والعدة؛ ولأنهم كانوا قد غزوا الديار في عقرها، فتمكنوا من الرقاب، ولأنه كان يحسبهم مسلمين غير بغاة. أما الآن وقد بدت حالهم وفي الوقت فرصة، فلم ينتظر الدنية، بل أراد أن يتقدم للميدان بالسيف لا بالقول، جلس في اليوم الثاني من صفر من هذه السنة، والجموع تستمع إليه لأنه رجلها وقائدها؛ ولم يلق عليهم في هذه المرة درساً في الوعظ المجرد، بل ألقى عليهم قولاً في الجهاد؛ فساق الآيات والأحاديث الواردة في الجهاد، ونهى عن الإسراع في الفرار، ورغب في إنفاق المال في الذب عن المسلمين وبلادهم وأموالهم، وبين لهم أن ما ينفقونه في الهرب، وما يضيع منهم بسببه إذا أنفق في سبيل الله كان خيراً، وأوجب جهاد التتار في هذه المرة؛ لأن الحرب أنفى للحرب، ولأنه لا جدوى في سلمهم، وتابع المجالس في ذلك؛ ونودي في البلاد ألا يسافر أحد إلا بمرسوم، فتوقف الناس عن السير وسكن جأشهم. وابن تيمية لا يكتفي بالمجالس يعقدها ويخطب، بل يكتب الكتب بالحجج الواضحة(١) ويرسلها إلى الناس حتى اطمأنوا.
وزادهم استيثاقاً واطمئناناً أن السلطان الناصر بمصر قد اعتزم الخروج، وأن عساكره اللجبة مقبلة تحمي الذمار، وتدافع عن الديار.
ولكن عاد الذعر وعاد الاضطراب لما بلغهم المرجفون أن التتار قد وصلوا إلى حلب، وبلغهم في الوقت نفسه أن السلطان ناصر الدين قد قفل راجعاً إلى مصر.
(١) ارجع إلى العقود الدرية ص ١٢٠ ففيها رسالة طويلة في الحث على الجهاد.
39