37

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Daabacaha

دار الفكر العربي

من محراب العلم إلى ميدان القتال

٤٠- كان ابن تيمية عاكفاً على الدرس والفحص، والوعظ والإرشاد، وبيان الدين صافياً نقياً، كما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وكما تلقاه السلف الصالح رضوان الله سبحانه وتعالى عليهم أجمعين، ومع عكوفه على الدرس كان متصلاً بالحياة والأحياء، يقيم الحسبة، ويبلغ ولاة الأمر إن رأى أمراً يوجب تبليغهم.

ولقد بلغه في سنة ٦٩٣ أن نصرانياً سب النبي صلى الله عليه وسلم وآوى إلى أحد العلويين فحماه من غضب العامة، فرأى تقي الدين ذلك منكراً لا يحسن السكوت عليه؛ فصحب شيخ دار الحديث، وذهبا إلى نائب السلطنة بدمشق، وخاطباه في الأمر فأرسل ليحضر النصراني، فحضر ومعه بدوي أغلظ القول للعامة المتجمعين فحصبوه ومن معه بالحجارة ولقد أوذي الشيخ وصاحبه، لأنهما اتهما بتحريض العامة، ثم أسلم النصراني بعد أن أثبت براءته، واعتذر نائب السلطنة للشيخين وأرضاهما(١).

فهذه القصة تبين لنا أن ذلك العالم الجليل ما كان يشغله درسه عن شئون الدين العامة، والقيام على حراسته وحمايته من المتهجمين عليه، وأنه في سبيل حمايته لا يخشى في الله لومة لائم، فهو يثور على من يحمي الذي يسب محمداً صلى الله عليه وسلم، ويحرج الوالي في تلك السبيل، وإن ناله أذى في سبيل ذلك احتمله، كما يحتمل المؤمن الصبور.

٤١- ولكن هذه الحادثة العرضية وأشباهها ليست بشيء بجوار وقفاته لنصرة الدولة والعامة عند إغارة المغيرين.

لقد جاء التتار إلى الشام سنة ٦٩٩، وهزموا عساكر الناصر بن قلاوون، وشتتوهم شذر مذر بعد أن أبلى الجميع بلاء حسناً؛ ولكن كان أمر الله قدراً مقدوراً، فولى جند مصر والشام الأدبار، واجتازوا دمشق فارين إلى مصر؛

(١) ابن كثير الجزء الثالث عشر ص ٣٣٤

36