Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence
ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه
Daabacaha
دار الفكر العربي
وإبراهيم النخعي، والقاسم بن محمد، وغيرهم من كبار التابعين، وعلى ضوء هذه الدراسة، وبهذا الحرص، وبعقله العميق النافذ وصل إلى ما وصل إليه من اختيارات ليست في المذاهب الأربعة أو منها، كاعتبار الطلاق الثلاث بلفظ الثلاث، والطلاق المتتابع طلقة واحدة. وكاعتبار الحلف بالطلاق ليس طلاقاً، وغير ذلك من المسائل التي سنبينها عند الكلام في فقهه بعونه سبحانه وتعالى.
٣١- وفي الجملة إن ذلك الفتى ربى نفسه تربية عالية، فتعلم العلوم التي كانت رائجة في عصره، ولم يترك باباً من الأبواب إلا أتقنه، ولقد قال فيه أحد معاصريه: ((قد ألان الله له العلوم، كما ألان لداود الحديد، كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع أنه لا يعرف غير ذلك الفن، وحكم أن أحداً لا يعرفه مثله، وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك، ولا يعرف أنه ناظر أحداً فانقطع منه، ولا تكلم في علم من العلوم، سواء أكان من علوم الشرع أم من غيرها. إلا فاق فيه أهله والمنسوبين إليه، وكان له اليد الطولى في حسن التصنيف)).
هذه ثمرة الدراسة الواسعة المدى التي تلقاها، وعالجها في نشأته وشبابه، حتى صار له شأنه، وشغل عصره والأجيال، وجدد الإسلام، وأعاده قشيباً كما بدأ غضاً، وأزال عنه غبار القرون الذي تكاثف عليه، حتى حال دون إدراك حقيقته ومعرفة غايته.
توليه التدريس
٣٢- شب أحمد عن الطوق، وامتلأ قلبه بالمعرفة، واستوى رجلاً سوياً وإن كان مثله في ميعة الصبا وغرارة الحياة، وتقدم ليغذي النفوس بمعارفه بعد أن تغذى بمعارف السابقين، وأثمرت في قلبه أينع الثمار وأغزرها وأنضجها، وتقدم واثقاً بنفسه ومعونة ربه ليؤدي الأمانة التي حملها الله له، بما أودع نفسه وقلبه وعقله من مدارك ومواهب، وبما هيأه له من تثقيف وقوة تفكير، وعمق إدراك، والزمن في حاجة إلى مثله، والإسلام في أشد الحاجة في وسط هذه
28