109

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Daabacaha

دار الفكر العربي

لمبين السنة لهم، قل السنة واسكت، وكان يقول ((كلما جاء رجل أجدل من رجل نقص مما جاء به محمد)).

ولكن ما كان في استطاعة ابن تيمية أن يتخلى عن المناظرة، لأنه اختلف مع علماء عصره في أي الطريقين السنة، فهم يقولون إن ما هم عليه هو السنة وهو اتباع، وما يقول ابن تيمية ابتداع، وهو يرميهم بما يرمونه به فلا بد إذن من المناظرة لتمحص الحقائق وليحكم النظارة أي الفريقين أهدى سبيلا، وأقرب رحماً بالسنة، ومع المناظرة الجدال وحدة القول.

ولقد أجمع الذين عاصروا ابن تيمية على أنه حاد في قوله، وقد نقلنا لك من قبل قول الذهبي فيه: ((تعتريه حدة في البحث وغضب وصدمة للخصوم تزرع له عداوة في النفوس، ولولا ذلك لكان كلمة إجماع، فإن كبارهم خاضعون لعلومه معترفون بأنه بحر لا ساحل له، وكنز ليس له نظير، ولكن ينقمون عليه أخلاقا وأفعالا. وكل أحد يؤخذ من قوله ويترك)).

هذه هي كلمة الذهبي. وهي تسجل أنه كانت تعتريه حدة وصدمة للخصومة، أما الحدة فقد أشرنا إليها، وأما الصدمة للخصوم فهي لأنه كان رضي الله عنه إذا علم السنة أعلنها في قوة وعنف، غير ملتفت إلى المخالفين. رماهم عليه، وكأنه كان الأولى به أن يتدرج معهم فيما يأتي به، فلا يصدمهم، وإن التدرج سنة فطرية تجعل ما يتلقى بالرفض أولا قد يتلقى بالقبول آخرا. إن سلك به سنة التدرج، وقد يكون لذلك القول موضعه من الحق.

ولكن الذهبي ينسب الخلاف عليه إلى حدته وصدمته لهم، والحق أنه ما أتى أحد بمثل ما أتى به ابن تيمية في عصره إلا اشتد عليه الخلاف، فما كانت الحدة سبب الخلاف، بل الآراء نفسها في مثل هذا العصر مبعث الخلاف لأن الناس قد ألفوا مذاهب وأفكارا على أنها السنة واشتدوا في التمسك بها، فجاء ابن تيمية يذكر لهم أن السنة غيرها، فلا بد أن تصطدم الفكرتان لأن الناس لا يغيرون

108