103

Ibn Taymiyyah: His Life and Times, Opinions and Jurisprudence

ابن تيمية: حياته وعصره، آراؤه وفقهه

Daabacaha

دار الفكر العربي

التي يتنافس فيها المتنافسون، ولذلك عاش فقيراً، وكان يكتفي من الطعام بالقليل.. ومن الثياب بما يستر العورة مع التجمل من غير طلب للثمين، وكان يتصدق بأكثر رزقه الذي يجري عليه، كشأن العلماء المنصرفين للدرس والفحص، كما يظهر، ولا يبقي لنفسه إلا القليل الذي يحفظ قوام الحياة.

ولقد كان إخلاصه واتصاله بالله واعتماده عليه هو السبب في نجاته من كثير ما كان يدبر له، ولقد قال في ذلك الذهبي: ((وكم من نوبة قد رموه فيها عن قوس واحدة، فينجيه الله تعالى؛ فإنه دائم الابتهال كثير الاستغاثة قوي التوكل، ثابت الجأش، له أوراد وأذكار يديمها)).

هذا إخلاص ابن تيمية لا شك فيه، ولا امتراء، لأن حياته كلها كانت بلاء وفداء للحق ودعوة إليه؛ ولكن وجدنا كتاباً في القرن التاسع الهجري يتكلمون في إخلاصه ويرمقونه بأنه كان يميل إلى العجب والخيلاء، فقد نسب إلى السيوطي أنه قال فيه: ((واحذر الكبر والعجب بعلمك، فياسعادتك إن نجوت منه كفافاً لا عليك ولا لك، فو الله ما رمقت عيني أوسع علماً، ولا أقوى ذكاء، من رجل يقال له ابن تيمية مع الزهد في المأكل والملبس والنساء، ومع القيام في الحق والجهاد بكل ممكن، وقد تعبت في رزيته وفتنته، حتى مللت في سنين متطاولة، فما وجدت قد أخره في أهل مصر والشام ومقته في نفوسهم، وازدروا به وكفروه إلا بالكبر والعجب، وفرط الغرام في رياسة المشيخة والازدراء بالكبار، فانظر كيف كان وبال الدعاوى ومحبة الظهور ونسأل الله المسامحة فقد قاموا عليه ناس ليسوا بأروع منه ولا أعلم عنه ولا أزهد منه. بل يتجاوزون عن ذنوب أصحابهم وآثام أصدقائهم، وما سلطهم الله عليه بقواهم أو جلالتهم، بل بذنوبه، وما دفع الله عنه وعن أتباعه أكثر وما جرى عليهم إلا بعض ما يستحقون فلا تكن في ريب من ذلك)).

هذا كلام منسوب إلى السيوطي وسواء أصحت النسبة إليه أم لم تصح كما هو

102