ثم لما حبس في آخر عمره كتبت له أن يكتب جميع القرآن تفسيرا مرتبا على السور، فكتب يقول: إن القرآن فيه ما هو بين بنفسه، وفيه ما قد بينه المفسرون في غير كتاب، ولكن بعض الآيات أشكل تفسيرها على جماعة من العلماء، فربما يطالع الإنسان عليها عدة كتب ولا يتبين له تفسيرها، وربما كتب المصنف الواحد في آية تفسيرا ويفسر غيرها بنظيره، فقصدت تفسير تلك الآيات بالدليل؛ لأنه أهم من غيره، وإذا تبين معنى آية تبين معاني نظائرها.
وقال: قد فتح الله علي في هذه المرة (أي من مرات الاعتقال والسجن) من معاني القرآن ومن أصول العلم بأشياء كان كثير من العلماء يتمنونها، وندمت على تضييع أكثر أوقاتي في غير معاني القرآن، أو نحو هذا.»
1
وأرسل إلينا شيئا يسيرا مما كتبه في هذا الحبس، وبقي شيء كثير عند الحكام لما أخرجوا كتبه من عنده، وتوفي وهي عندهم إلى هذا الوقت
2
نحو أربع عشرة رزمة، ثم ذكر الشيخ أبو عبد الله (ابن رشيق) ما رآه ووقف عليه من تفسير الشيخ.
3
ولنا أن نقرر من هذا النص الذي نقلناه لابن رشيق، أن ابن تيمية لم يحاول تفسير القرآن الكريم كله، وإن كان قد فهمه جميعه طبعا، ولكن هذا الذي قام ببيان معانيه وتفسيره منه، وإن كان قليلا بالنسبة لمجموع القرآن، إلا أنه كثير حقا في نفسه، ومنهجه واضح كل الوضوح فيه.
ومع هذا، نرى أن نرجئ النظر فيما كتبه في التفسير نظرا شاملا إلى القسم الخاص ببيان آرائه في العلوم المختلفة العديدة؛ أي في التفسير والفقه والعقائد وغيرها. ونقتصر هنا في بيان تطبيق منهجه العام في فهم القرآن وتفسيره، على الرجوع إلى الرسالة التي كتبها هو نفسه في أصول التفسير، فإن فيها الكفاية في هذه الناحية.
يبدأ ابن تيمية رسالته ببيان مبلغ عناية الصحابة والتابعين بمعاني القرآن، والرسول بين لهم هذه المعاني كما بلغهم ألفاظه ونصه الكريم، فإن قوله تعالى:
Bog aan la aqoon